تزداد الميزانية أرقاماً ولكن النمو الحقيقي للاقتصاد السعودي قريب من الصفر على مدى السنوات الأربع الماضية. هذه فجوة صغيرة في ظل اقتصاد يتسم بالمطبات الحقيقية والصناعية والمصطنعة.
الحكومة جادة في إيجاد بيئة اجتماعية اقتصادية لتطوير المجتمع على مدى العقود الماضية، ولكن الواضح أن الأداء الحكومي لم يرتق إلى الرغبة ناهيك عن الطموح. ولكن الفجوة الحقيقية تأتي في الجانب المعنوي للحياة في المجتمع فعلى الرغم من جهود الحكومة الظاهرة أحياناً والخفية أحياناً إلا أن الاقتصاد السعودي لم يحقق مبتغاه. القصور في استهلاك الموارد، وسوق العمل، واختفاء الإنتاجية كمعيار، وتنامي دور الحكومة، وتسعير الأصول مثل الأراضي، وحجم الدعم المأهول عوامل مجتمعية أدت إلى فجوات مؤثرة ونمو اقتصادي محدود.
اتسمت التجربة السعودية بثلاث مراحل؛ الأولى تشمل العقدين الأولين للحكومة من عام 1932 وحتى وفاة المؤسس المظفر الملك عبد العزيز ـــ يرحمه الله ـــ، اتسمت هذه المرحلة بالاعتماد على بُعد نظر الملك وعدة خطوات عملية منها استقطاب أفضل الكفاءات لإسداء النصح والرأي، ومنها الاعتماد على القيمة المعنوية للناس والمراهنة على رغبتهم الفطرية في العمل على الرغم من قلة الموارد.
المرحلة الثانية امتدت من 1953 إلى 1971، في هذه الفترة جربت المملكة فداحة سوء التخطيط المالي وبدء تنامي الجهاز البيروقراطي، ولكنها حققت الكثير من ذلك مركزية "أرامكو" كأول مؤسسة اقتصادية مرموقة، وبدايات التعليم الجامعي، وبعض الصناعات الأولية، ونواة البنية التحتية، وبداية حالة التمدن.
المرحلة الثالثة وهي أطول مرحلة وأكثر تعقيداً وأكثر تحديات، بدأت بعد اجتماع دول "أوبك" في طهران عام 1971 وبداية التعديل المهم في أسعار النفط. أهم إنجاز في هذه الحقبة هو تقدم المملكة في الخطة الخمسية الأولى، وهذه بدأت بمد الغاز والنفط إلى الساحل الغربي، وبداية الصناعات البتروكيماوية، وإحداث نقلة نوعية في البنية التحتية، وتحقيق الرفاه للمواطنين في استهلاك الماء والكهرباء والصحة، وغيرها من المنافع. من أهم عيوب هذه الفترة تزايد دور الحكومة في إدارة الاقتصاد والذي أتى على حساب الناحية المعنوية في الاعتماد على الحكومة، وبالتالي إحداث خلل واضح في العقل الجمعي للناس. يتمثل هذا الخلل في أخذ المزيد والمطالبة أكثر من الحكومة، وبما أن الحكومات لا تستطيع تقديم الأمثل، بدأ اللوم يصل الحكومة على الرغم من ارتفاع الفاتورة المالية الحالية والمتوقعة.
أكملنا الدائرة في البدايات كانت المعنويات أعلى والماديات أقل ولكن كان الإنجاز باهراً واليوم الماديات أكبر، ولكن المعنويات أقل بسبب ضعف الأداء واستهلاك النموذج. بعد أن ابتعدنا عن المربع الأول حان الوقت للتساؤل حول صلاحية النموذج الحالي.
بدا واضحاً لي أن هذا النموذج استُهلك وبدأ ينهش في الجسم الاجتماعي والاقتصادي وبدا وكأننا عاجزون عن تكوين رؤية جديدة وإعداد استراتيجية قابلة للتنفيذ. السؤال المهم: هل لدينا اعتراف باستهلاك النموذج؟ أمامنا خياران إما الاعتراف باستهلاك النموذج الحالي والعمل على إعداد بديل يتماشى مع المرحلة وإما تحمُّل تبعات الاستمرار على النموذج الحالي.
نقلا عن الاقتصادية