تعتبر حرية التعبير من أهم القضايا التي تنافح عنها الأقلام وتسعى إلى توسيعها؛ بل يمكن أن تتشكل أزمة دولية كبرى بسبب هذا الحق الإنساني الذي تقره جميع الدول بحكم إقرارها بمبدأ حقوق الإنسان العامة، والتي تعتبر حرية التعبير من أولوياتها، ولا توجد صحافة من غير هذا المبدأ، كما لا يمكن التصور أن توجد هيئات صحفية أو «اتحادات قلمية» ــ إذا صح الوصف ــ إلا وكانت حرية التعبير هي الهدف الأخير منها حتى لو لم يصرحوا بذلك، ولكن حدود حرية التعبير تختلف من شخص إلى شخص.
وفي الوقت الذي تتسع فيه الحريات التعبيرية، وخاصة في المجال الالكتروني من خلال مواقع التواصل في الإنترنت حتى سمي بالإعلام الجديد (ويسميه البعض البديل) تجنح صحافتنا إلى «التنظيم»، إذا أحسنا الظن كبديل لطيف عن كلمة «عراقيل»، على كل الكلام الذي نلوكه حول الصحافة السعودية، حيث يشترط على الصحف أن يكون العاملون في المجال الصحفي من قبل المعتمدين في هيئة الصحفيين، وهيئة الصحفيين نفسها تسارع في وضع آليات لتطبيق تلك الاشتراطات، والأمين العام للهيئة يصرح بأن ذلك يشمل كل من يعمل في الصحافة متفرغين وغير متفرغين بما فيهم الكتاب ورسامو الكاريكاتير وغيرهم، مع أن معظم العاملين في المجال الصحفي هم من المتعاونين؛ فضلا عن أن غالبية الكتاب ليسوا عاملين في الصحيفة؛ بل هم في كل القطاعات الأخرى غير الصحفية؛ أي أنهم موظفون في كل الوزارات والقطاعات الخدمية والمؤسسات الحكومية والتعليمية والأكاديمية والعسكرية وغيرها.
في المقابل يسعى بعض كتاب الرأي إلى إصدار جمعية خاصة بهم تلم شتاتهم بمثابة رابطة اتحاد مصغرة، وربما كان باعث ذلك من إحساسهم بالضغوط الأخيرة على كتاب الرأي وقيام بعض المؤسسات الخدمية بتحجيم كتاباتهم كما سعى البعض: أفرادا ومؤسسات إلى محاكمة أسماء معروفة من الكتاب لأنه انتقدهم، وهذا بحاله كفيل بتشكيل مثل هذه الجمعية لحمايتهم. لكن السؤال عن مدى استقلالية هذه الجمعية عن الهيئة بعد أن شملت الهيئة كتاب الرأي في توضيحها من قبل أمينها، وهذا ما اعترض عليه بعض الكتاب فهل تكون لدينا جهتان وعضويتان متعارضتان أم متسقتان؟ وكيف هو وضعهما في الحالتين؟. السؤال الآخر هو في مدى مساحة الحرية التعبيرية التي سوف تناضل من أجلها، أم أنها سوف تبقى جمعية ذات مواصفات تعبيرية محددة تنطبق على كتاب ولا تنطبق على آخرين؟ خاصة أن حدود التعبير مختلفة من شخص إلى آخر ــ كما قلنا آنفا ــ، وهل سوف تتحول إلى هيئة صحفيين أخرى لا تستطيع حماية الكتاب؟.
لست من المتشائمين، ولكن الذي أعرفه أن أهم خطوة لأي جمعية أو هيئة هي الاستقلالية مع صلاحيات واسعة، وفي تصوري أن هذا لن يحصل، وبالتأكيد لن تكون هناك استقلالية تامة مع صلاحيات واسعة، وإن كان فهي محدودة بحدود الحرية الصحفية المعتادة، ولذلك فحرية الصحافة السعودية سوف تكون راجعة إلى تفسيرات هيئة الصحفيين التي يشتكي منها الصحفيون أنفسهم، فالمسألة ليست في وجود هيئة أو جمعية فقط؛ بل في الاستقلالية والصلاحيات التي توسع من حرية الصحافة ولا تضيقها.
نقلا عن عكاظ