أحصيت قرابة 100 منتدى وندوة وملتقى أقامتها مؤسسات حكوميّة وشبه حكوميّة في زمن يزيد قليلا عن عام وحين تأملت العناوين الباذخة وقلت ماذا أضافت معظم هذه النشاطات لحياتنا العلميّة والعمليّة. طبعاً من غير الموضوعي الحكم السلبي على كل مخرجات هذه الفعاليات ولكن هذا الطوفان الكمّي في المناشط يستحق منّا وقفات تأمل وتحليل. كنّا (معاشر الأكاديميين) في سنوات مضت نتوسل ونتسوّل الموافقات على المشاركة في ندوة أو تسهيل تنظيم مؤتمر محليّ. وكانت المؤسسة العلميّة تعد نفسها ناجحة إن تمكنت من تنظيم مؤتمر أو ندوة كل خمس سنوات. ومن طرائف الذكريات أننا غالبا ما كانت تأتينا الموافقة على تنظيم المؤتمر أو الندوة التي خططنا لها بعد مضي زمن يكون موضوع الندوة قد دخل الثلاجة العلميّة وتجاوزته مستجدات أخرى.
ما يحصل في السنوات الأخيرة من فوضى المؤتمرات والندوات حوّل معظمها إلى ما يشبه السيرك الإعلامي في مباريات" استعراضيّة" روجت لأنصاف وأرباع الباحثين وتصدّر منصاتها تجار شهادات الدكتوراه في حالة مثيرة من نشر الفوضى غير الخلاقة تحت مسميات المناشط العلميّة. ومن عجائب هذا التكاثر البكتيري في عدد المؤتمرات والندوات أن وجد بعضنا ممن ابتلي بإدارة وإنجاح (شكل) هذه الفعاليات أنفسهم مجبرين على استكتاب بعض مقاولي المؤتمرات تحت إغراء المكافآت وتوفير السكن المريح وفي حالات معينة يمكن أن يحصل الباحث المستقدم على فرصة أداء العمرة عمولة مشاركة.
من نسأله عن عوائد الأموال التي أنفقت والجهود التي صُرفت في غير مجالها؟ ومن يقيم المحصلة النهائيّة لكثير من المناشط البائسة ذات التوصيات الإنشائيّة الزهيدة التي لا يسمع إعلانها يوم الختام أي مسئول معتبر.
مسئول إحدى المؤسسات العلميّة استسهل "الفرقعات" الإعلاميّة للندوات والملتقيات حتى أصبح مريضا بمتلازمة الندوات بحيث تطلبت حالته من كل مسئول معه في كل موسم ابتكار عنوان ندوة جاذب أو موضوع برّاق حتى فاق عدد المناشط اجتماعات المسئول مع قيادات مؤسسته. وفي مؤسسة أخرى أصدر المسئول الهمام أوامره بربط منح المزايا والمكاسب بعدد مرات الحضور والتفاعل مع هذه المناشط حتى لا تكشف الكاميرات أن الحضور في الصالة لا يتجاوزون سكرتير معاليه وسواق سعادة وكيله وخمسة مساعدين وسادسهم مسئول المتابعة. وخشية فقدان الرضا والمكاسب فقد اضطر كثيرون للحضور الجسدي فقط وهم يصطبحون "ألآي فون" "والأي باد" لإنجاز المهام العاجلة والتواصل مع العائلة والأصدقاء من وسط قاعات الندوات المملة التي يكفي من حسناتها القليلة فرصة توفير مساحة صمت إجباري للتواصل الإلكتروني مع الأحبة بعد انقطاع طويل سببته مشاغل العمل.
وتأسيساً على ما تقدم وحيث يصعب علاج هذه العدوى من "مخيخ" بعض المسئولين الحاليين فلعل من المفيد المبادرة بإنشاء الهيئة الوطنيّة للوقاية من مرض المؤتمرات والندوات لتحصين المسئولين الجدد وقاهم الله شر العدوى.
نقلا عن الرياض