يمكن اعتبار ما يجري في السعودية من حالات شراء على أنها حالة "المرض الاستهلاكي". فرق بين الحاجة والاستهلاك. سمعتُ أحد المختصين النفسيين ينصحون المتسوقين بأن تكون بيدهم ورقة مدون بها الحاجات التي يريدونها، فيكتفون بمغادرة الأسواق فور انتهاء شراء حاجاتهم، لأن تصميم السوبرماركات تصميم استهلاكي، يثير الرغبة بالشراء المرَضي. أن تأخذ العربية وتتجول لتكتشف أنك اشتريت عشرات الأغراض التي لا تحتاجها، ثم لا تلبث أن تأخذ مساحة من مصروفك، قبل أن تأخذ مساحة من البيت وهي غير ضرورية أصلاً. هل يعقل أن نشتري المعلبات ونخزنها ثم نلقي بما انتهت صلاحيته قبل ان نستخدمه، في وقت نشرت جريدة "الشرق" قبل أيام أنه عثر على مسنّ يتضور جوعاً؛ يشرب من ماء المكيّفات ويأكل من سلال المهملات!
هناك قراءات بحثية تتحدث عن أن 80% من السعوديين ينفقون أموالهم على رغباتهم لا على حاجاتهم. وهذا ما أريد قوله أن الفرق بين الرغبة والحاجة فرق كبير. الرغبة هي الإرادة المرَضية للاستهلاك، وهذه تنشط في المواسم والمناسبات. ولا ننسى أننا مجتمع "استعراضي" مهووس بالفخر بالأشياء التي تشترى على سبيل الرغبة لا الحاجة، بدءاً من الساعة وليس انتهاء بالموبايل ثم سرعان ما نكتشف أن هذه الدوامة مهلكة ومرهقة، ونردد مع الحكيم قوله:
"إنما المرء بأصغريه .. ليس برجليه ولا يديه!
الإنسان قيمته بذاته وبإنتاجه وبعلمه وبخُلقه. الغريب أن المرَض الاستهلاكي انتقل للأطفال، إذ يغضب الطفل وهو في سن السادسة أو السابعة حين لا يشتري مثل بعض أترابه!
صحيح أن المجتمع لن يتحول إلى أكاديمية، لكن أتعجب من عزوف الشباب مثلاً عن الفخر بالعلم أو البذخ في شراء الكتب وهو بذخ جيد، أو الإنفاق على الأفلام الوثائقية. انحصر الفخر بما هو مستهلك ومنتهٍ ومنقرض!
المرَض الاستهلاكي شجعه الانغماس في التسويق الرأسمالي المنتشر والمتفشي، والذي غزا العالم كله.
كان الأكل من أجل الحياة والعيش، وبات من أجل الاستمتاع فقط!
لا أنكر أن للتبضع أحياناً متعته بل ويوصف من أطباء نفسيين كعلاج للروتين حين تمتلك شيئاً مختلفاً، غير أن مرَض الاستهلاك لا يولد إلا التعاسة وظلم النفس، فلنغير من أساليب تبضعنا كوسيلة لتغيير أفكارنا وطرق عيشنا، ولنهتم بما نحتاجه قبل أن نضيّع أنفسنا فيما نرغب به فقط، فأسرى الرغبات ضعفاء لدرجة عدم امتلاكهم خياراتهم، ولا بعضاً منها!
نقلا عن الرياض