إن كان للفساد وجوه فإن أقبحها هو ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخرا حول رشوة ـ إن صح خبر تلك الرشوة ـ قدمها رجل أعمال لأشخاص بقيمة 60 مليون ريال لإفراغ أرض تبلغ مساحتها 4.6 مليون متر مربع، وتقدر قيمتها حاليا بنحو 5 مليارات ريال.
أعلم أن جميع وجوه الفساد بشعة، ما خفي منها وما علم، ما صغر منها وما كبر، ما ظهر منها وما بطن. ولكن بشاعة ذلك الوجه تزداد أسى وألما وتصبح جرثومة تفتك بأحلامنا، وتؤرقنا، بل وتحبط كل آمالنا عندما تتم في بيت العدل. إنها تتماثل أمام أعيننا وتقض مضجع كل من يمتلك مقدار ذرة من إيمان، أو قطميرا من خلق، ناهيك عن انتمائه إلى ديننا الإسلامي الحنيف الذي يحذر من الرشوة، بل ويلعن كلا من «الراشي والمرتشي والرائش».
المؤلم في خبر الرشوة ـ إن ثبت ـ ليس مقدارها أو فداحة آثارها فقط ولكن مكانها أولا. فهي قد جرت في كتابة العدل التي هي بمثابة «المحكمة» في التصاقها بالشرع والأخلاق. ومن المفترض في «كاتب العدل» أن يكون قيما على الأمانة عادلا ودقيقا في كتابتها مؤتمنا عليها يتلو كتاب الله، بل ويستذكره أيضا في السر والعلن. ومن المفترض فيه بعد أن أقام الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن يستذكر قول الله تعالى: «اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون».
هل تراه إذا تولى مسؤلية «كتابة العدل» نسي الآية الكريمة «وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد» ؟ أم تراه تناسى مصير المفسدين من القرون الأولى؟ «فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين»؟ أم أنه «تمادى» كثيرا في تحديد نصيبه من الدنيا لدرجة جعلته يتهاون مع الفساد دون وازع أو رادع؟ «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين»!
نقلا عن عكاظ