من اللافت تعالي بعض الأصوات السعودية في مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت مرتعاً خصباً للتنديد بما يجري في مصر، بين مؤيد ومعارض، وبين متكاتف مع سياسة دولته، ومخالف لها، بل بلغ الأمر ببعضهم إلى التطاول على ولاة الأمر، ولم يجد حرجاً من تجريحهم إن بالتصريح أو التلميح، كما لم يردعه دينه عن الدعاء عليهم، وتمني أن تكون المعونات التي قدمتها الحكومة السعودية للنظام في مصر وبالاً عليها، ولم يتورّع البعض عن إسقاط بعض النصوص الشرعية، وليّ أعناق الآيات القرآنية لتوظيفها حسب رؤيته المرتبطة بهواه بهدف ترسيخ وجهة نظره، باستمالة القلوب، ودغدغة المشاعر الجياشة، والعواطف الدينية الملتهبة لاستقطاب السذج من متابعيه، الذين يتّخذهم ألعوبة يوردهم ويصدرهم كيف شاء ومتى شاء. هذه الأطروحات التي يقدمونها تشكل نواة أداة تعبوية تأجيجية، لتفعيل هياكل وأفكار كانت قد تبلورت من قبل، بمنطق تغلب عليه العاطفة أكثر من العقلانية، لربط واستغلال الحدث هناك بتطلعاتهم الأيدولوجية هنا. ومع تسليمنا المطلق بحرمة إراقة الدم وخاصة دماء المسلمين في مصر وغيرها من أصقاع البسيطة، ومع إقرارنا بأن ما يحدث في مصر شأن يخص المصريين وحدهم، فهم أصحاب الأرض، والقرار، ولهم كامل الحق في تقرير مصير بلادهم، واختيار من يحكمهم، ومع خالص ودنا لمصر وأهلها، وتمنياتنا الصادقة لهم بالخروج من هذه النازلة التي ألمت بهم سالمين غانمين، إلا أنه آن لنا أن نتساءل ونسأل أسألة مشروعة: هل الصراع الدائر في مصر ديني صرف بين مسلمين وكفرة، أم سياسي بامتياز بين أقطاب سياسية، يسعى كل فصيل من الأطراف المتصارعة بكل ما يمتلك من أدوات لإحكام الاستحواذ على السلطة والاحتفاظ بها؟ وهل يُراد استجلاب الصراع الدائر من أرض الكنانة إلى أرض الحرمين الشريفين؟ هل هناك من له مصلحة في إحداث شرخ في المجتمع السعودي على غرار ما هو حادث في مصر، فينقسم الشارع السعودي بين مؤيد ومعارض؟ هل بين ظهرانينا من الخلايا الانتمائية النائمة التي تسعى جاهدة إلى أن تنتهز الفرصة لتحقق مآربها، وتتذرع بالحدث لاستيراد الفتنة؟
لن أتدخل فيما يحدث في مصر كي لا أسلك سبيل الآخرين وأحذو حذوهم، ولكن من حقي كمواطن سعودي يتمنى الخير للجميع (وخاصة وطني) أن أعتب على من يخالف سياسة ولاة أمره الخارجية، وهذا يعني إما أنه لا يثق بهم، أو أن انتماءه وولاءه عليهما علامتا استفهام وعلامتا تعجب وإبهام معقوف، فلا ازدواجية في الانتماء، والولاء لا يتجزأ. ومن كان كذلك فينبغي له مراجعة نفسه وأفكاره وأطروحاته. وليكن معلوماً لديه بأن ولي الأمر يتخذ القرار حسب معطيات ومعلومات تخفى على الكثيرين، وأنه يسعى جاهداً لحماية البلاد والعباد، وأن لا يُمسّ الأمن القومي بأي شكل من الأشكال، شاء من شاء، وأبى من أبى، وأنه ليس مطالباً بتقديم تقرير مكتوب عن كل شاردة وواردة لإطلاعهم على خفايا الأمور، وأسرار الدولة، وبواطن الأسباب المحركة للسياسة.
ويذكرني موقفهم الحالي بالمواقف المعارضة حين اضطرت المملكة إلى الاستعانة بقوات أجنبية، وفي مقدمتها القوات الأمريكية بشكل رئيس في أعقاب غزو صدام حسين للكويت في 2 آب/ أغسطس 1990م، لحماية أرضها من هجوم عراقي محتمل. وحين تم الإعلان عن قدوم تعزيزات غير مسلمة إلى "بلاد الحرمين"، انطلقت حملة مُعارضة هائلة للتواجد الأمريكي، وتعالت الأصوات على المنابر منددة بهذا التواجد ومحتجة عليه، ولم يكن مطلقوها يعلمون بالضرورة التي استدعت المملكة للاستعانة بتلك القوات، وأن استقدامهم لم يكن إلا لدحض خطر داهم كاد أن يلمّ بالوطن، ولولا الله سبحانه وتعالى، ثم ثاقب بصيرة ولي الأمر، لآلت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، وهذا ما اتضح لهم لاحقاً.
فلندع مصر للمصريين، والسياسة للسياسيين.. ولنحمد رب العالمين
نقلا عن الرياض
