تقيم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية هذه الأيام مؤتمر (الوحدة الوطنية - ثوابت وقيم) والذي سوف تتوزع فعالياته على 17 جلسة تحتوي على 62 بحثا علميا تتمحور كلها حول أهمية الوحدة الوطنية في كل جوانب الحياة، وقد تم انتقاء هذه البحوث من بين 135 بحثا علميا تم تقديمها لهذا المؤتمر وخضعت للتحكيم العلمي من قبل اللجنة العلمية، وبصفتي مواطنا يؤمن بأن الوحدة الوطنية هي الحياة الحقيقية وأي شيء غيرها هو الخراب والعزلة (وكلاهما حياة تشبه الموت) فإنني أحيي جهود الأساتذة الذين قاموا بهذا العدد الهائل من البحوث العلمية وأقدر جهدهم العلمي وأحيي حسهم الوطني، ولكنني أعتقد أن كل الكلام الجميل الذي سوف يقال عن الوحدة الوطنية داخل قاعات المؤتمر لن يكون له أثر على الشارع.. ليس الشارع العام.. بل حتى الشارع الذي يفصل قاعة المؤتمر عن أقرب كلية في الجامعة!. ببساطة يؤسفني أن أقول بأنني لا أرى فائدة لهذه المؤتمرات المشحونة بالهواجس لأنها أنشطة لا تتعامل مع مفاهيم وقيم وثوابت الوحدة الوطنية إلا حين يستشعر الوطن خطرا يهدد وحدته، وهنا مربط الفرس الذي يدور حول نفسه دون أن يصل إلى شيء، فالوحدة الوطنية يجب أن تكون هي الأصل بينما التهديدات هي الطارئة، نعم.. اليوم قد يكون التهديد طائفيا، وبالأمس كان مع إرهابيي القاعدة، وغدا قد يكون شيئا آخر تماما، ودائما وأبدا هناك أخطار وتحديات لذلك فإن جهود ترسيخ قيم الوحدة الوطنية إذا ظهرت فقط على شكل ردود فعل على أحداث مؤقتة فإنها تفقد قدرتها على التأثير وأحيانا تفقد مصداقيتها، فقيم الوحدة الوطنية يفترض أن تكون مزروعة في القلوب منذ الصغر لا عبر حملات التطعيم المفاجئة. لهذا السبب سوف تضيع جهود الأساتذة المشاركين في المؤتمر أدراج الرياح وسيبقى الكثير من أبناء الوطن الواحد يهاجمون بعضهم البعض بأوصاف طائفية وعنصرية مقيتة ضد بعضهم البعض غير مكترثين بما يمكن أن يحدثه إشعالهم لنار الكراهية بين الإخوة الذين يتقاسمون الأرض والرغيف والمستقبل، نحن اليوم أمام جيل تجاوز كل حفلات التنظير وهو يقف في وسط العواصف والأعاصير التي تهب من كل الاتجاهات وفكرة تحصينه عبر مؤتمر علمي لن تتجاوز بوابة القاعة التي تقرأ فيها بحوث الباحثين. بعد يومين أو ثلاثة سوف تبدأ إجازة اليوم الوطني، هل سيحتفل الناس صغارا وكبارا بهذا اليوم مثل بقية شعوب العالم أم أنهم يفكرون منذ الآن بالاستمتاع بإجازة اليوم الوطني خارج الوطن؟، وأولئك الذين سيبقون في البلاد في العطلة هل سيجدون أماكن للاحتفال البريء أم سيشغلهم القلق بسبب إزعاج الشباب المستهر في هذا اليوم. وفي النهاية الذين لا يعترفون بفكرة الاحتفال في هذا اليوم هم الذين يفرضون واقعهم الرتيب فيفقد هذا اليوم أثره العميق والمباشر في النفوس، دعكم من اليوم الوطني بعد نصف ساعة أو ثلاث يمكن يخرج علينا شخص ما قد يكون أستاذا جامعيا أو معلما أو صحفيا أو أي شيء ويتفوه بعبارات طائفية أو عنصرية أو مناطقية، كيف سينظر له الناس؟، هل تظنون أنهم سوف يستهجنون عمله البغيض هذا لأنه يهدد وحدة الوطن؟، بالطبع لا.. في الغالب سوف ينظر له مؤيدوه بإعجاب بينما يرد عليه خصومه بذات اللغة البغيضة التي تشمل معه كل من ينتمي إليها، وهذا عائد لأسباب كثيرة منها أن التعليم لا يحصن الناس من هذه الأمراض الطائفية والعنصرية البغيضة والإعلام يقول كلاما إنشائيا مكررا لم يعد يلتفت إليه أحد. الوحدة الوطنية لا يمكن أن تحضر وتغيب على مزاجنا ووفقا لشروطنا، لأنها لن تكون صادقة ما لم تنطلق من قناعة دائمة أساسها حب الوطن والإيمان المطلق بشراكة الآخر في الماضي والحاضر والمستقبل!.
نقلا عن عكاظ
