تدعو كل الأديان السماوية الإنسان لالتماس العذر لأخيه الإنسان وعدم إطلاق الأحكام جزافا. والإسلام من أكثر من فصل في هذا الموضوع وربما كلنا نعرف الأحاديث التي تحث الإنسان على التماس الأعذار لغيره وما ورد في القرآن من وجوب التحري والتدقيق في الأخبار لكي لا نصيب الأبرياء بجهلنا ثم نندم. ولكن من ينظر في حالنا يجد تطبيق سياسة إلتماس العذر مغيبا تماما للأسف الشديد.أذكر قبل أيام رسالة وصلتني على الهاتف عن هذا الموضوع وكان فيها مثال معين على سوء الظن ذكرني بواقعة حقيقية عشتها بنفسي. كان ذلك قبل سنوات حينما كنت في الجامعة. فقد كانت لدينا صديقة محترمة وطيبة ولظرف لديها كانت دائما تطلب منا توصيلها إلى المنزل والمساعدة في مشاوير الجامعة فزوجها مشغول جدا، وكانت الصديقات تتهـربن منها فالكل لديه ظروف وعبء توصيل شخص إضافي باستمرار ليس سهلا. وفعلا أصبحت المسكينة لا تجد من يتحدث معها حتى في أوقات الفراغ فالكل متهرب وخائف من طلبها للتوصيل رغم أن منزلها كان قريبا من الجامعة. وفجأة سكتت الفتاة ولم تعد تطلب منا توصيلها وبالتدريج عادت الفتيات للحديث معها. وذات يوم أذكر أن واحدة من الفتيات أتت لتهمس في أذن الأخرى فذهبن يركضن وعدن واستمرت أحداث غريبة بالحدوث لفترة. أطلقت بعدها الفتاتان تصريحا بأن صديقتنا تلك ذات المشاوير إنسانة غير محترمة وأن لها علاقة مع سواق ليموزين وأنهن راقبنها عدة أيام وتأكدن من ذلك فهي تجلس بجواره وحدها في السيارة ورأوها تعطيه من حقيبتها شوكولاته وكانت القصة فيها تفاصيل كثيرة تثبت في رأيهن التهمة عليها. ورغم أنني وفتاة أخرى كنا دائما نتألم من هذا الحديث ونحثهـن على الصمت فهن لا يعرفن ظروفها، وحتى فكرنا أن نتحدث معها ولكننا خجلنا وقررنا الصمت لصغر سننا وقلة خبرتنا فقد كانت أكبر منا سنا وكنا نحن مراهقات في أول عام جامعي. ومع الوقت كبرت القصة وتشعبت وتبهـرت ببهارات كثيرة لاذعة. وبعد فترة كانت إحدى الصديقات الأخريات تشكو أنها تريد أن تشتري أغراضا لتجهـيز نفسها للزواج ولكن ليس لديهم سواق وتخاف من سائقي الليموزين فهي تذهب مع والدتها الكبيرة وحدهما. فقالت صديقتنا ذات المشاوير لها: لو تريدين سائقا ثقة فزوجي يعمل على ليموزين ويمكنه توصيلك! طبعا أصدقائي لن أقول لكم عن رد فعل الفتيات والخزي الذي شعرن به لأنهن اتهمنها تهمة باطلة طوال ذلك الوقت، بينما هي بطيبة قلبها تعرض عليهـن المساعدة بالذي تستطيع فعله.وبعدما ذهبت الفتاة استمرت الأخريات بالحديث «والقرقرة النشطة» ولكن أصبح الآن الكلام منصبا على فكرة أخرى ــ كن متعجبات كيف أن صديقتنا وهي من أسرة معروفة وتلبس ملابس جميلة ــ متزوجة سواق ليموزين! وكان ذلك في عهد بعيد نسبيا ولم يكن من المعتاد أبدا رؤية سائقي ليموزين سعوديين فعلا. سبحان الله الإنسان لا يعرف ظروف البشر وكل إنسان يحارب معارك لا نعرفها فكيف لنا ونحن الجهلة أن نحكم على الناس؟ هذا مجرد مثال واحد والأمثلة على سوء الظن كثيرة وأكاد أجزم أننا نتعايش معها باستمرار. لو أكرمنا الله بمن يقوم بمشاويرنا فيجب علينا حمده وشكره ولو استطعنا مساعدة من لا يملك سيارة فخير وأجر ولو لم نستطع فبالقليل فلنكف أذانا عنه. ولو رزقنا الله بنعمة المال الوفير الذي يغنينا عن أعمال ومهن ينظر لها المجتمع الجاهل بفوقية فبالقليل نحمد الله ونكف لساننا عمن يعاني ويلات الجهل بالإضافة إلى رقة الحال. يا أصدقائي متى سندرك أن المسلم الحقيقي ليس هو من يركع ويسجد ويفرد السجادة ويعبث بالمسبحة، ثم يعطي لنفسه الحق في سوء الظن والقذف والتشهير .. بل هو حقا من سلم الناس من لسانه ويده..
نقلا عن عكاظ