في تاريخ الدول تكشف الأزمات الوطنيّة ذات البعد السياسي والأمني (العسكري) عادة عن مجموعة من الإمكانات والحقائق لعل من أبرزها حقيقتان مهمتان: الأولى مدى قوة وحكمة القرار السياسي والعسكري، والثانية: مستوى الإعلام ودوره في التنوير والمساندة. وفي الأزمات التي تستجلب حروباً اضطراريّة عادلة تكون مهمة الإعلامي أكثر مصداقيّة كونه يلتزم البعد الأخلاقي في التنوير وتبصير الرأي العام بمجريات الأمور دون خلط أو تزييف أو تشويش.
وفي "فوران" الأزمة غالباً ما تظهر أربعة أنواع من مدارس الإعلام السياسي لا تتكشّف كل مدخلاتها ومخرجاتها إلا بعد انتهاء الأزمة وتصدي الباحثين لتلك المرحلة بالبحث والتمحيص.
النوع الأول: مدرسة الإعلام الدعائي؛ وهو نوع من الإعلام الببغائي الذي يردّد الشعارات ويبرر الإخفاقات ويضلّل متخذ القرار مستهيناً بالخسائر والضحايا مهوّناً من شأن الإخفاقات تحت بريق الشعارات. ومن أمثلته إعلام "بول جوزيف غوبلز" وزير الدعاية في ألمانيا النازيّة (انتحر مطلع 1945 مع زوجته وأطفاله الستة) وهو صاحب المقولة الأشهر" كلّما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي" وهو أيضاً من تُنسب له عبارة "الحقيقة عدوة الدولة".
ويدخل في هذه المدرسة الدعائيّة أيضاً إعلام مصر "الناصريّة" ورمزاها "محمد حسنين هيكل، وأحمد سعيد" اللذان ضللا الشعب المصري والعربي بانتصارات وشعارات وهميّة قبل وبعد هزيمة 1967. وليس بعيداً عنّا "محمد سعيد الصحاف" وزير إعلام صدام أثناء الغزو الأمريكي لبغداد (عام 2003) حينما كان يعدّد الضحايا الأمريكان وعدد طائراتهم المتساقطة وبغداد العظيمة تتساقط تحت القصف والتدمير ومن ثم الاحتلال.
النوع الثاني من الإعلام: مدرسة الإعلام الترفيهي وهي مدرسة شائعة الفروع في الإعلام العربي بعد سطوة قنوات الترفيه وبرامج تلفزيون الواقع التي تتلمس الحواس والغرائز وتستثير كل الشهوات. ومشكلة هذه المدرسة "الرخوة" في مجتمعنا العربي تبدأ من قلة خبرة وتأهيل من يديرونها وتنتهي بالطبيعة "الناعمة" للمنتج الإعلامي الذي تصدره إلى الرأي العام المتحفز أوقات الأزمات. وأساس مشكلة منتسبي هذه المدرسة أنهم يتعاملون مع الأزمات كمسلسل درامي يركزون فيه على مواطن التشويق والإثارة الرخيصة على حساب الحقيقة وما يراق من الدماء والجهود. ولك أن تجد نماذج هذه المدرسة من متابعة بعض القنوات العربيّة العامة والإخباريّة وخصائص طواقمها وموادها حيث تطغى الملهاة الإعلاميّة على المأساة الإنسانيّة في صياغة الخبر وطبيعة التحليل.
النوع الثالث: مدرسة الإعلام المسؤول، وهو ذلك النوع من الإعلام الذي يقدّم الخبر والمعلومة باستقلاليّة واحترافيّة دون هوى أو تلوين قدر الإمكان. ومن يتأمل المشهد الإعلامي في معظم الأزمات العربيّة يجد غياب هذه المدرسة ونشاط مدرستي الدعاية والترفيه على حساب الحقيقة ووظائف الإعلام الموضوعي.
النوع الرابع: مدرسة الإعلام الأحمق، وإن شئت يمكن أن نسميه الإعلام البليد. وهذه المدرسة أبسط وصف لها هو وصف الأحمق في وصيّة الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآله لابنه حين قال: "يا بني إياك ومصادقة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرك. ولا تتعب في البحث عن الأمثلة فستصلك بلا عناء
نقلا عن الرياض