أَتَى عَلى السّعوديين حِينٌ مِن الدَّهر؛ كَانوا لَا يَتوقّعون القَرَارَات ولَا يَسمعونها إلاَّ مَرَّة كُلّ سنتين، أو مَرَّة كُلّ خَمس سَنوَات، ولَكن في عَهد مَليكنا الحَازم المَحبوب «سلمان بن عبدالعزيز»، تَغيَّر هَذا الإيقَاع، وأصبَح الشَّأن السّعودي أكثَر مرُونَة في التَّجديد والتَّطوير، والتَّغيير وبِنَاء المُستقبل، حتَّى قَال لِي أَحد أَصدِقَائي المِصريين الظُّرفَاء عِبَارة؛ تَحكي الوَاقع حِين هَاتفني قَائلاً: (يَا أحمد مَع أخبَار السّعوديّة مِش هَتقدر تغمّض عينيك)..!
صبَاح الأَمس، استَيقظ السّعوديّون عَلى حِزْمَة قَرَارَات؛ تُؤسِّس لسعوديّة المُستقبل، وتَبني وَطنًا جَديدًا مَليئًا بالكَفَاءَات الشَّابة، والمُمتَلِئَة حَيويّةً وعَطاءً، والمُتحفِّزة للنّجَاح والفَلَاح..!
لقَد استَيقَظ السّعوديون عَلى (25) قَرارًا مَلكيًّا؛ مَا بَين إعفَاءات وتَعيينات قِيَاديّة، تَصبُّ في خَانة مَصلحة الوَطن، كَما يَرسم لَه قَادته المُخلصون..!
لَن أَتحدَّث بالتَّفصيل عَن القَرَارَات، لأنَّ كُلِّ قَرَار يَحتاج إلَى مَقالٍ مُستقل، ولَكن سأَتحدَّث عَن روح التَّغيير، وسُرعة التَّطوير، والحَزْم في التَّجديد، الذي طَال كُلّ مَفاصل الدّولة، وهَذا لَيس لَه إلَّا مُؤشِّر وَاحِد، وهو رَغبة القيَادَة في تَشبيب الدَّولة، والبَحث عَن الكَفَاءَات، وتَعيين المُؤهَّلين المُخلصين، كُلٌّ فِيمَا يُنَاسب اتّجاهه، وحَقْل تَخصّصه، ومَجال إبدَاعه..!
إنَّ المُتأمِّل في حِزمة القَرَارَات الأخيرَة، التي صَدَرَت البَارحة، يَجد فِيها ثَلاثة مَلَامِح، لَا تُخطئهم العين، المَلمح الأوّل: هو استقرَار مُستَقبل الحُكم مِن خِلال تَعيين الوجُوه الشَّابّة، وأَعني بذَلك (المُحمَّدين)، ومَن يُتَابع نَبض النَّاس في «تويتر»، يَجد أنَّ عَاصفة الحُب والفَرَح والبُشْرَى التي عَمّت السّعوديين؛ كَانت عَاصفة قَويّة، لَا تَقل عَن عَاصفة الحَزم في اليَمن..!
المَلمَح الثَّاني: هو الشُّكر والتَّقدير والنَّظر بعين الإجلَال والإكبَار، لكُلِّ مَن خَدَم الوَطن لسَنوَاتٍ طَويلة، ومَن يُلقِ نَظرة عَلى «تويتر»، سيَجد أنَّ الهَاشتاقات فَعَّالة قَويّة وكَثيفة؛ لشُكر مَن عَملوا لهَذا الوَطَن، وإذَا أَردتُ التَّمثيل عَلى هَذا، لَن تَجد أبرَز مِن عَاصفة الشُّكر؛ التي طَالت أَميرنَا المَحبوب «سعود الفيصل» -وَزير الخَارجيّة السَّابق- وأَميرنَا المَحبوب الآخَر «أبوفهد- مقرن بن عبدالعزيز»، هَذا كُلّه عَلى سَبيل المِثَال لَا الحَصر..!
أمَّا المَلْمَح الثَّالِث: فهو التَّحرِّي والدِّقّة في البَحث عَن الرَّجُل المُنَاسب في المَكَان المُنَاسب، يَأتي ذَلك مِن خِلال تَدوير بَعض الوزرَاء، الذين أَعطوا في مَجالهم الكَثير، ولَكن مِن المُمكن أنْ يعطُوا في مَجالاتٍ أُخرَى بشَكلٍ أَكْبَر، ولَو أَردنَا مِثَالاً لهَذه الحَالة، فلَن نَبتَعد كَثيرًا عَن مَعالي المُهندس «عادل فقيه»، ومَعالي الأُستَاذ «خالد العيسى»، ومَعالي الدّكتور «عبدالله الجاسر»..!
إنَّ عَاصِفة الحَزْم التي امتدّت لإصلَاح الشَّأن اليَمني، تَوقَّع الكَثيرون أنْ تَتّجه إلَى الدَّاخِل، ولَكن بطَريقة تَمشي مَمْشَى التَّطوير والتَّجديد، وبنَاء المُستقبل، وقَد تَوقَّع بَعض المُراقبين وتَنبّأوا بِمَا يُسمَّى بـ»عَاصِفَة الدَّاخِل»، وهَا هي القيَادة تُحرِّك هَذه العَاصِفَة، ولَكن عَن طَريق النِّسْمَة البَارِدَة، والتَّأمُّل العَميق، والاجتهَاد في وَضْع الرَّجُل المُنَاسب في المَكَان المُنَاسِب..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّ مَن يَطّلع عَلى بَعض الإعلَام العَربي؛ أو الإعلَام الأجنَبي، يَضحك مِن تَلك التَّخرُّصات، التي تُراهن عَلى مُستَقبل السّعوديّة، وأعتَقد أنَّ حِزمة القَرَارَات التي صَدرت البَارِحَة، هي أَكبَر صَفعة لذَلك الإعلَام، الذي كَان يُشكِّك في بنَاء مُستقبل وازدهَار بلادنا الغَالية. ولَا أَظنُّ ذَلك الإعلَام -بَعد هَذه الحِزْمَة- إلاَّ أنْ يَكون قَد بَاء وعَاد بفَشلٍ ذَريع، لأنَّ سيَاسة المَملكة العَربيّة السّعوديّة دَائمًا لَا تَرُدّ بالأقوَال، وإنَّمَا بالأفعَال..!!
نقلا عن المدينة