هذه الكلمة (يقولون) كلمة جميلة سهلة مألوفة واسعة الانتشار، تسمعها دائما في معرض أحاديث الناس وفي رؤاهم وجدالهم في كل مناسبة وفي كل موضوع يثيره المتحدثون ويهتمون به، وأجمل ما فيها أنها لا تحدد من يقول ولا تعرفه ولا تحمل على القائل مسؤولية ما ينسب إليه إن صدق وإن غير ذلك، وتترك للسامع الخيال الواسع وتعطيه الفرصة ليتصور من هم هؤلاء القائلون وماذا لديهم من مكنون المعارف التي بموجبها قالوا وتحدثوا وأسمعوا من أسمعوا وما حقيقة الأمر.
ورغم أنها تأتي دائما بصيغة الجمع ونبرة التأكيد ولا تستعمل الفرد إلا نادرا فإن الذين يستعينون بإسناد ما يريدون روايته وقوله إلى مجهولين يجدون في ذلك فرصة إعلانه للناس، بينما يجعلون الإسناد تبرئة لذواتهم عن تحديد المسؤولية في القول الذي يقولون وينسبونه إلى غير معروف، وتأخذ «يقولون» صيغة الجزم مرة وصيغة الشك والتضعيف مرات كثيرة، وما يجعل لها وجودا وحضورا طاغيا في مجالس الناس هو ما ينوبهم من أحداث وأخبار تهمهم أو تهم قطاعا منهم ثم لا يجدون مصدرا من المصادر الموثوقة يشرح لهم ما يدور على ألسنة الناس، وغياب المعلومة من مصادرها جعل «يقولون» تروج بين العامة والخاصة، وهناك سبب آخر لرواج كلمة يقولون وهو العموم الذي لا يخصص شيئا محددا ولا يؤكد واقعة بعينها، فمثلا عندما يكون النقاش عن المشكلات الاجتماعية يحلو لجماعة يقولون تضخيم المشكلة وتعظيم خطورتها.
مثلا يردد أصحاب «يقولون» أن نسبة الشباب إلى مجمل السكان 70%، وهذه النسبة لو صحت فإنها إيجابية من جانب أن يكون ثلثا السكان شبابا، إلا أن ذلك يعني واجبات وتبعات كبيرة وتخطيطا لمتطلبات أكثر، مثل ضرورة وجود عدد أكثر من المدارس والجامعات والوظائف، ومطالب كثيرة تنتظر هؤلاء الشباب القادمين إلى الحياة بكل تكاليفها وأعبائها وما يحتاجه العمل لمواجهة مستقبل الشباب ومسؤولياتهم، والسامع يصدق المعلومة ولا يناقش مصدرها ولا يتأكد من صحتها مع أن هناك جهات متخصصة وتعرف بالضبط السكان وفئاتهم العمرية، ولكن جماعة «يقولون» لا يرون العودة إلى هذه الجهات ولا يهمهم أن تكون النسبة صحيحة أو مغلوطة، المهم أنهم يقولون ذلك ويصدقون ما يقولون، كما يزعمون أن نسبة البطالة بين الشباب وطالبي العمل تبلغ 30%، ويصرون على صحة ما يقولون لأن مصلحة الإحصاءات والجهات المسؤولة مسؤولية مباشرة عن التوظيف غائبة ولو كان لها حضور كما يجب لما وجد جماعة «يقولون» فرصة للقول.
وكلمة يقولون ليست تهربا من الجواب المحدد ولا تهربا من ذكر من جاء بالخبر، إنما لاستعمالها أسباب كثيرة أهمها غياب المعلومة الصحيحة وشحها على من يبحث عنها، وتقاعس الجهات المسؤولة عن الإفصاح والشفافية، ولهذا تتسع دائرة «يقولون» ويجدون أمامهم فرص الظهور في توليد الأخبار والزيادة أو النقصان منها، وعندما تقل الشفافية أو تنعدم في بعض الحالات يصبح للشائعات رواج بين الناس الذين يصدقون ما يشاع حتى ولو كان محض خيال، لكي يملأ الفراغ الذي لا بد أن يستهوي الناس الحديث عنه.
وعلاج ظاهرة «يقولون» هو قطع دابر الشائعات والمعلومات غير الصحيحة بالبيان والوضوح وتحرير المعلومات المهمة التي يحتاجها الناس، والعودة للمصادر المسؤولة التي يعتمد على صحة ما تروي وما تنقل وما تقول، حيث لا يكون هناك سبب للغموض ولا حاجة لقالوا ويقولون.
نقلا عن صحيفة مكة