كان هناك دولة اسمها سورية، وأخرى العراق، وهما أكثر من رفع شعار التحرير لفلسطين والوحدة العربية، والنضال من أجل بناء أمة واحدة، ومع حكومتي البعث في الدولتين انطلق الخلاف والصراع إلى حدود مباركة الأسد احتلال إيران لأجزاء من العراق، وبنفس الوقت تحرك صدام للانقلاب على نظام دمشق، لكن الشيء المشترك أنهما كانا يعلنان في كل مناسبة الاتفاق على القضية الفلسطينية، وظلت إسرائيل بالفعل تضع حساباتٍ لقوة البلدين العسكرية مهما كانت الأقوى، وفقاً لحروب سابقة تغلبت في بعضها، وكسب العرب أخرى لكنها في الوقت الحاضر رأت حكومتي داعش والنصرة بديلاً عن الدولتين السابقتين.
فلسطين بقيت دكان مزايدات، لبست ثوب ماركس ولينين من خلال إحدى فصائلها، وتمترست في خندق القوميين العرب، ودخلت في تحالفات مع اليسار العالمي المتطرف الذي قام بعمليات مشتركة مع بعض الفلسطينيين في خطف الطائرات وملاحقة مواقع إسرائيل لضربها مترافقة مع انتفاضات أثرت فعلياً في أمن إسرائيل..
والحديث عن الماضي فيه الكثير من الآلام، أكثر من الانتصارات، وقد دخلت القضية مع أزمتها الحقيقية حين تعمّمت حماس وذهبت إلى أكثر من اتجاه في تحالف مع الأسد حليف إيران، وتجاوزته للمرشد الأعلى فالإخوان المسلمين في العالم وخاصة مصر، بينما الحكومة الفلسطينية ظلت تتعامل بواقعية مع حجم ظروفها والضغوط الدولية، والحصار الإسرائيلي بما يصل إلى الحلول السياسية بتعذر الحلول العسكرية، لكن انفصام الاتجاهين وانفصالهما أضعف القضية لتدخل أبواب المزايدات والانتماءات التي أدت إلى ضعف الاهتمام العربي والإسلامي والدولي بها..
إسرائيل الآن اختارت التوقيت الذي تريد أن تتصرف به ولا يناقشها أحد على أي سلوك عدواني تعمله، لأن سقف المطالب العربية لا يصل إلاّ إلى حدود طلب النجدة من الأمم المتحدة ليخرج الرئيس الفلسطيني طالباً حماية دولية لشعبه أي وضع مراقبين دوليين، ونحن نتذكر أن هؤلاء لم يوقفوا حرب 1967م، ولا مذبحة قانا في لبنان، ولا صدامات حزب الله مع إسرائيل، لأن هؤلاء يأتون فقط بمناظيرهم وسيارات إسعافهم للمراقبة فقط، ولا يملكون أي صلاحيات حتى بإيقاف أي متسلل من أي حدود عربية أو إسرائيلية..
هناك موقف دولي ثابت تجاه إسرائيل وهو أن تجاوزاتها مقبولة لأنه اعتدي عليها وردها يأتي لحماية نفسها، والعرب لا هم عاربة، ولا مستعربة، فقد نشأت دول جديدة لداعش والنصرة، والأكراد، وإيران وتركيا تلعبان دور ميراث تركة العربي المريض، والبقية يخشون ما هو أسوأ في محيط تتنازعه صراعات وتقاتل، وميثاق ما سمي بالدفاع العربي المشترك على لائحة التجميد والممنوعات بالحديث عنه، والقدرة بالرد على إسرائيل تأتي من خلال اجتماعات وزارية تدعو لها الجامعة العربية، والنتيجة، كالعادة إلحاق المسؤولية بالأمم المتحدة، ومجلس الأمن لأنه الباب السهل الخروج منه بدون تبعات أو مسؤوليات..
كان الشعب العربي في مراحل سابقة يواجه هذه القضايا بالاحتجاجات والمظاهرات التي تخرج في المدن العربية، وكانت المنابر تعج بقصائد الكفاح المسلح، وحالياً صار «المونديال» في مسابقات كأس العالم، ومسلسلات رمضان وفوازيره الهمّ اليومي، لأن النسخة الجديدة من الأجيال العربية صارت همومها الشخصية أكبر من قضايا يعدونها خارج مسؤولياتهم، وهو سبب يُسأل عنه من بيده القرار والحل والعقد من عرب الشرق والغرب.
نقلا عن الرياض