تأملت كثیرا من الفتاوى «المحرمة» خلال العقود الأربعة الأخیرة في بیتنا الفقھي المحلي،
فوجدت ما لا یقل عن أربعمئة مسألة كانت حراما فصارت حلالاً، لا لتغیر الظروف والأحوال،
وإنما لتغیر العقول والاجتھادات.
وتزداد الخطورة في ھذا التشدد حینما تكون الفتوى رسمیة من فرد أو لجنة أو ھیئة، وتزداد
الأھمیة حینما یتم إلزام الناس بھا، في حین أن الفتوى غیر القضاء، فالفتاوى غیر ملزمة
على الفرد، ومن باب أولى أنھا غیر ملزمة على الدولة، والدول تقوم أعمالھا على القوانین
والقرارات التشریعیة بالأمر والنھي، سواء كان ذلك ابتداء أو مبنیا على قضاء أو فتوى، أو
توصیة تشریعیة أو تنفیذیة.
والأخطر في نظري أن نتجاھل الماضي فنكرر الأخطاء، وحینھا سوف نخالف أحكام السماء بشریعتھ الغراء لحساب مراعاة ومجاملات أحكام الأرض
الاجتھادیة، التي لا تتوافق مع أصول الفقھ وقواعده، فضلا عن مقاصده وسیاستھ الشرعیة.
وأعجبني حساب (العین الثالثة) في تویتر، حیث كتب سلسلة من 150 مسألة كانت حراماً فصارت حلالاً، بسبب ضغط الثقافة الغالبة أو التربیة
الفكریة الجامدة والصناعة الفقھیة التقلیدیة، وفرق بین ضغط الثقافة السائدة وبین ضغط الدلیل المتجرد الذي تحترمھ ولو خالفتھ.
ولذا قلت على سبیل التھكم ( ّحرم تسلم) قیاساً على مقولة ( ّسكن تسلم)، فالناس لن یسألوك عن دلیل التحریم، ولكنھم سیسألونك عن دلیل الإباحة،
مع أنھ الأصل والبینة على المدعي بخلافھ.
نقلا عن الوطن السعودية