الذي يحاول الاعتداء على جناب الجنادرية , ويثير الشغب حول أسوارها وداخل ممراتها , ويؤجج الغوغاء والعامة ضدها , إنما يعتدي على فكرة الوحدة الوطنية ,وايضا هو يعتدي على الثقافة كقيمة وممارسة إنسانية حضارية في مواجهة التوحش والعنف والبدائية.
فقلعة الجنادرية التي صار عمرها اليوم 27 عاما فكرة وطنية اقتحمت بهمة طموحة متحفزة الكثير من الصناديق المغلقة وعالجت أقفال نوافذ لم يكن أحد يبالي بها أو يهتم بالضوء كشرط وجودي للبشر.
فهي في البداية فتت أسوار المناطقية والاقليمية واستدنت مناطق الوطن بجميع حمولتها التاريخية في منظومة واحدة وفضاء مشترك يعبق في نواحيه ماء الكادي الطائفي يخالط الفل الجيزاني فيسقي نخيل نجد ودانات الخليج , الجنادرية اعترفت بشجاعة وواقعية أن عمر المملكة اليافع بحاجة إلى عمل وطني مستمر لا ينقطع لتكريس الوحدة , الجنادرية بحنكة وذكاء تعرف أن الوحدة الوطنية هي التي ستشجر وتستزرع المسافات التي من الممكن ينعب بداخلها غربان المناطقية والمذهبية ودعاة الإقصاء.
أيضا الجنادرية كفكرة ونشاط على وعي أن الوطن وقيمته الروحية والحضارية وموقعه والتزاماته الاقليمية والدولية , بات من المستحيل أن نديره بفكر قرية نجدية صغيرة هامشيا بحصانة فكرية هشة, فمتطلبات المرحلة وتحديات المستقبل باتت تحتم علينا كشعب وكنخب أن ننفتح على العالم ونتجاوز مرحلة التوجس والاسترابة الصحراوية , باتت تحتم نوعية من الوعي المغاير الذي يتسم بالسعة والعمق والشمولية , المرحلة تتطلب حراكا ثقافيا وفكريا يمتلك أدواته التي تمكنه أن يكون ليس فقط جزءا من المشهد الثقافي في المنطقة بل فاعلا وصانعا فيه , والأنشطة الثقافية المصاحبة للجنادرية تمد عشرات الجسور بيننا وبين العالم , التي تجعلنا نسمع و نُسْمِع , ولم يعد أحد ينكر أن الانفتاح على ثقافات العالم حتما سيؤدي إلى إصلاح التشوة المعرفي الذي لحق بنا بعد سنوات طويلة من الانغلاق والتقوقع.
الجنادرية تحتفي بالتعددية والغنى الثقافي والشعبي في جميع مناطق المملكة , وهي من هنا تعلم أن التعددية الفلكلورية إنما هي تعكس الماضي العميق العريق لهذا المكان وسكانه منذ الاف السنين ’ حيث كانت الجماعات في تداول وتواتر تاريخي لم ينقطع تصدح بالأغاني والأهازيج والمزامير التي ترافق مواسم الحصاد والأعياد والمناسبات وصولا إلى طبول الحرب , الفن والشعر والغناء هم نبض الثقافة وأبهى تجلياتها , كل هذا تستبطنه الجنادرية وتحوله إلى بهجة عائلية.
الجنادرية في سنواتها الأخيرة باتت نشاطا عائليا مشتركا , في الوقت الذي تشطر المدن المحلية العائلة بسكين حادة , ونتذمر ونتأفف ونتساءل لماذا عندما تبادرنا أرقام المهاجرين في المواسم السياحية إلى الخارج , فنجيب على هذا السؤال بكل الأجوبة المظللة والمواربة ولكن لا أحد يريد أن يفسر أو يشير إلى السبب الذي يكمن وراء هروب الجميع في المواسم ! لكن الجنادرية تحتفي بالعائلة.
لذا وأقولها مرة أخرى الذي يحاول الاعتداء على جناب الجنادرية بجميع أنشطتها وتجلياتها , إنما يعتدي على فكرة الوحدة الوطنية , وقيم الإصلاح ,وايضا هو يعتدي على الثقافة كقيمة وممارسة إنسانية حضارية في مواجهة التوحش والعنف والبدائية.
نقلا عن الرياض