من قراءتي لتاريخ المسلمين، ولا أقول تاريخ الإسلام، لم أقف على حزب لجماعة من الجماعات، أو منظومة عقدية من التنظيمات، وَسَمَتْ مسماها بـ» الإسلامي» صراحة أو ضمنا، وإنما تأتي التسمية في الغالب استنادا إلى المجموعة الإثنية، أو المرجعية القبلية، أو نسبة إلى الشخصية المؤسسة، أو المتكأ الجغرافي توصيفا للجماعة أو السلطة، ولا يرد توصيف «الإسلامي» إطلاقا فيها، الذي ظهر مع ظهور ما سُمّي بـ«الإسلام السياسي»، وجماعاته التي تبنّت هذه الأطروحات؛ على تباين نظرتها وتنظيراتها لماهية توظيف الإسلام في المعترك السياسي.
ومع تسليمي بأنه «لا مشاحة في المصطلح»، وإنما المعوّل على ما يفضي إليه المصطلح من سلوك وعمل، إلا أنني أقف مترددا من إلصاق صفة «الإسلامي» بالتنظيمات السياسية التي تسعى إلى تمرير أجندتها الفكرية وحمولتها الآيديولوجية عبر هذا المتكأ العقدي، إن الإنكار والرفض لهذا المسلك، يعود على الحمولة القداسية لمفردة «إسلامي»، بما يجيز للملتصق به التحرك بمظاهر «الهيبة» و«التهيب» التي تمسك لسان الانتقاد، وتعقده عن الخوض في كل متصف بهذا الاسم ومنتسب إليه، وتمنحهم حالة من الشعور بالمزية عن الآخرين، بما يجعل بعض مسميات هذه التنظيمات السياسية مفضية إلى حالة من الاحتكار للإسلام، وإخراج الآخرين عن الدائرة، فحينما ننظر إلى مسمى تنظيم «الإخوان المسلمين» نجد أن حمولة هذه التسمية تستبطن أن الإخوان غير المنتسبين إلى هذه الجماعة أخوّتهم منعقدة على غير عقيدة المسلمين، ولا سبيل لأن تكتمل أشراط أخوّتهم الإسلامية إلا بنيل بطاقة «الإخوان المسلمين»، وقس على ذلك «حزب الله»، بكل حمولة هذه الكلمة فمن خرج عن «حزب الله»، فلا حزب له إلا «حزب الشيطان»، بل إن ابتذال هذه الصفة في مثل هذه المسميات للتنظيمات السياسية بصوابها وأخطائها، انتقل إلى مظاهر الحياة الاجتماعية، لتصدمك لافتات مثل «المطعم الإسلامي»، و«البقالة الإسلامية»، و«البنشر الإسلامي».
إن هذا الجنوح في إلحاق صفة الإسلام أو ما يذهب مذهب الانتساب للعقائد والإيمانيات بتسمية الأحزاب والتنظيمات السياسية لا يعدو أن يكون كسبا رخيصا، بما يستبطنه من مصادرة لحق الاختلاف الفكري من بوابة التزيي الديني. وهي الخديعة التي انطلت على البسطاء، ومكنت لأصحاب هذه الآيديولوجيات الفكرية من التغلغل في نسيج المجتمعات المسلمة بفطرتها واستغلالها من ثمّ لتحقيق طموحات قادة هذه التنظيمات، وإنفاذ خططهم المسيجة بالإطار الديني. ولعل في ذلك بعض التفسير لتمددها بصورة أكبر في قطاع الشباب وصغار السن، ممن تعوزهم المعرفة، وتنقصهم التجربة، وتدفعهم العواطف إلى الاستجابة لأي نداء يرفع لافتة الإسلام زورا أو حقّا.
لذلك نجد في الخطاب الموجه من هذه الجماعات الملتصقة بالإسلام ومترادفته في لافتاتها، تكاد تحتكر الحديث باسم الشريعة، وتجترئ على السلطات الحاكمة بخطاب غليظ، وعنيف أيضا، ناعية عليها عدم تطبيقها للحدود الشرعية، خارجة عليها بسلطان القوة والعنف، فيما شهدناه ونشهده من سلوك هذه الجماعات، وما كان لها أن تقترف مثل هذا المسلك، لو أنها اتخذت لها اسما يتناسب مع طرحها الآيديولوجي، وطموحات قيادتها، بعيدا عن فكرة الاستتار وراء «الإسلام».
قرأت مقالاً في الحياة للإعلامي جمال خاشقجي، 23 أبريل 2016، بعنوان «الإسلاميون: جمهور عريض بلا قائد حصيف»، استوقفني العنوان، وطفقت أسائل نفسي: ترى من هم هؤلاء «الإسلاميون» الذين يفتقدون إلى القائد الحصيف، وأي جغرافيا تلمهم، وفي أي بلد يعيشون، وهل هم جمهرة المسلمين الذين نعرفهم، أم «إسلاميون» مقصودون بعينهم، وغيرها من الأسئلة القلقة، ودخلت على المقال؛ فإذا «الإسلاميون» في سياق المقال من أوله إلى آخره ليسوا إلا «جماعة الإخوان المسلمين»، ولا أحد غيرهم ملحق بهذه الصفة، فكل «أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله»، لا حظ لها في نادي «الإسلاميين»، وإنما هو نادٍ محصور وحكر على «الإخوان المسلمين»، الذين استعرض الكاتب تجاربهم في البلدان كافة، وأحصى «إشراقاتهم»، ومحاولتهم البحث عن «قائد» يخرج «الجماعة» مما تبتلى به من امتحانات وبلاءات عظيمة، والغريب في الأمر أن الكاتب تعامى عن تجربة «الإخوان المسلمين» في السودان، ولم يأتِ على ذكرها، برغم أنها التجربة الأولى في الاستفراد بالسلطة عبر الانقلاب العسكري، فما حاق بالسودان من جراء هذه المغامرة «الإخوانية»، التي جعلته ساحة حرب مفتوحة، و«معسكر جماعات إرهابية»، لينتهي به الحال إلى فقدان جنوبه، واشتعال غربه، وانهيار اقتصاده، وما زال قادته من «التنظيم الإسلامي» مهما تنصلوا عن هذه النسبة، يعيدون أسطوانة الخطابات المشروخة نفسها، والانتساب إلى الإسلام كلما كانت الحاجة ماسة إلى تطويع الشعب بسلطان الترهيب بهذه اللافتة «الفتاكة»..
مؤكدا على ما ينطوي عليه ادعاء الإسلام في مسمى الأحزاب العقدية وما يستبطنه من نفي مضمر للآخرين عن الدائرة المقدسة ذاتها التي من شأنها أن تسع الجميع على اختلاف رؤاهم الفكرية وطاقاتهم الاستيعابية، متى ما وقر الإسلام بسماحته في القلوب، وغاب عن لافتات الإخوان الكواذب.
نقلا عن عكاظ