زرت اليمن في مهمة عمل العام 2003 والتقيت وحاورت شخصيات يمنيّة من مختلف التوجهات. كما أن إقامتي في مدينة "شيفيلد" البريطانيّة قرابة خمس سنوات مكنتني من التعرف على بعض رموز الجالية اليمنيّة من مختلف المشارب. وخلال العقدين الماضيين تهيأ لي أن أشارك في بعض الدراسات واللجان والحوارات التي كان الشأن اليمني والزملاء اليمنيون المحبون لوطنهم شركاء فيها.

من هذا كله أستطيع أن أستخلص (من رؤية شخصيّة) بعض الإشكاليات البنيويّة التي (أعاقت) وتعيق بناء اليمن الحديث في صورة دولة تنمويّة عصريّة يستحقها أهلنا في اليمن. وتتلخص أبرز هذه التعقيدات في خمس مشكلات رئيسة هي:

الأولى: أن الدولة اليمنيّة الحديثة لم تتشكل في وضع سياسي وثقافي وجغرافي طبيعي ومكتمل. ما حصل في لحظات مرتبكة من التاريخ العربي هو قيام الناصريين بفرض نظام ثوري على شمالي اليمن لم يهضمه اليمنيون جيداً. وفي جنوب اليمن لم يتمكن الشعار الاشتراكي من استثمار موهبة أبناء الجنوب لبناء دولة حديثة فكان نجاحهم في بلدان المهاجر دليلاً على عبقريّة الإنسان اليمني وخيبة السياسيين في وطنه. وحين أتت الوحدة (بين شطري اليمن) حدثت فقط لأن الاتحاد السوفيتي انهار بكل منظوماته فنشأت مع دمج النظامين المتناقضين كينونات عميقة تملك من عناصر العناد السياسي والفخر بالذات ما يكفي لتهديد الوحدة مع كل سانحة تلوح.

الثانية: إشكالات شريحة مهمة من الطبقة (النخبة) السياسيّة اليمنيّة وتعقيدات ارتباطاتها وولاءاتها السياسيّة. ويبدو هذا واضحاً مع أيام الثورة (في شمالي اليمن) حيث انقسم البيت السياسي والقبلي إلى قسمين متوافقين على انتظار من يفوز. وكذلك الحال بعد الوحدة بحيث استمرت ذات النخبة في استنساخ ذاتها والتربح من تناقضات السياسة في عواصم الاستقطاب الجديدة.

الثالثة: ضعف وهشاشة مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش ومؤسسة الأمن والمنظومة التشريعيّة التي فشلت في إدارة تبعات "الفوضى الخلّاقة" بل وتعاضدت فيما بعد مع الحركة الحوثيّة لاستدامة الفوضى والدمار.

الرابعة: إشكاليّة غياب أولويات الوطن وحضور مصالح القبيلة، وهذه الإشكاليّة ساهمت في المزيد من إضعاف الدولة ومصادرة سيادة الوطن في التعامل مع الداخل والخارج. وكانت النتيجة واضحة في خيبة ظن المواطن اليمني في أنظمة الحكم المتعاقبة في شطري اليمن حيث لم تنجح كل هذه الأنظمة سوى في تسهيل تصدير هذا المواطن اليمني مغترباً يحمل شجنه ووجعه.

الخامسة: إشكاليّة انتهازيّة قسم مهم من القيادات السياسيّة ونفعيّة بعض الزعامات التقليديّة من "المشائخ" والرموز الروحيّة والتي رسّخت في وجدان الموطن اليمني البسيط قناعة تقول إن أسباب وحلول مشكلات اليمن تأتي من الخارج دائماً ومن الخارج فقط.

مسارات

قال ومضى:

قمّة الندم أن تسكن منطقة العدم بين (لا) و (نعم).