قضایا المجتمع وشؤونھ وحاجاتھ وطرائق معاشھ لا یمكن أن تنتھي أو تُحل في یوم ولیلة، ولا في سنة أو سنوات لكنھا تستمر
ما استمر الدھر وتتجدد بتجدد الأغراض والحاجات، وحراك الناس وحیاتھم تحتاج التغییر والتعدیل والتبدیل من وقت لآخر،
وتحتاج الإصلاح في كل وقت وبلا توقف أو تردد، والمجتمع الذي لا تتجدد ھمومھ واحتیاجاتھ مجتمع راكد وخامل وغیر عامل
ولا منتج، أما العمل والإنتاج الذي لا بد منھ فمن الضروري تنمیتھ والدفع لحراكھ وحیویتھ واستمراره وتفجیر طاقاتھ التي قد
یعطلھا الاجتھاد الخاطئ. وسرعة تقبل التغیر والتبدل والتحول عامل صحي ومطلوب وضرورة لا بد منھا، حتى وإن كانت ھذه
الركائز الثلاث قد تُصاحبھا فجوات وتجاوزات ومشكلات لا یمكن تجاھلھا ولا التغافل عنھا وعلاجھا ضمن دائرة الحراك نفسھ
:مھم، حتى لا تكون سببا في تعطیل تقدمھ أو انعكاسا سلبیا على ما یحقق من نجاح لمسیرتھ وحراكھ الطبیعي
:سرعة التغیر
غرد الزمیل الأستاذ الدكتور سعد الحسین جامعة الملك سعود بصورتین لطلابھ، وقال: إن بینھما أقل من سنة، إحدى الصورتین
تظھر كل الطلاب بالزي المحلي وبالعقال والغترة واثنین فقط بلا عقال ولا غترة، وأظھرت الصورة الأخرى عدد الطلاب في
صالة الامتحان ولیس فیھم من یلبس الغترة والعقال، ولیس المراد ھنا الحدیث عن تغیر اللباس أو البقاء علیھ، المراد دلالة
التغیر وسرعتھ والمدة الزمنیة القصیرة بین الحالین التي تدل على مدى القابلیة للتغییر والتكیف السریع معھ، كما أن الذین وقع
علیھم الاختیار ھم الشباب بعد الثامنة عشرة من العمر، وھي مرحلة عمریة ھامة لقیاس النمو الاجتماعي الطبیعي، ویتبع تغیر
.اللباس تغیر قناعات كثیرة لدى ھذه الفئة في شؤونھم الأخرى وعاداتھم وسھولة قبولھم للجدید وتعلقھم بھ
تغییر الزي كان في الماضي یستغرق وقتا طویلا وقلما یحدث في ظرف قصیر، وسرعتھ دلیل على أن المجتمع بجملتھ مستعد
للتغییر وقابل لھ، وأن ركوده السابق كان بسبب المصدات والعراقیل التي وضعت في طریقھ وعرقلت مسیره وأبعدتھ عن
التحدیث والمعاصرة، وتلبیة الحاجات التي تقتضیھا ظروف تطوره ومطالبھ، فما كادت تزول عوامل التجمید التي تعرض لھا
.الناس في الفترة السابقة حتى عاد حراكھ وعادت طبیعتھ إلى مسارھا الصحیح
:قابلیة التبدل
ومثلما رأینا سرعة في تغییر الزي والملبس نرى سرعة وتبدلا مھمین في الممارسات الفردیة والجماعیة وفي العادات
كالدعوات والمناسبات ونوع النشاطات والاجتماعات وتقالیدھا، وحتى أماكنھا التي تقام فیھا، فقبل فترة لیست بعیدة كان لا
یخطر على بال كثیر من الناس أن یدعو أحدھم ضیوفھ أو أصدقاءه أو من یرید إكرامھ في غیر منزلھ ولو فعل غیر ذلك لكان
شیئا غریبا وغیر مستساغ اجتماعیا، وربما یحسب ضربا من التخلي عن التقالید والأعراف المرعیة في ھذه المناسبات، أما
الیوم فإن أكثر ھذه المناسبات أصبحت تقام في المطاعم والفنادق والاستراحات، وقل ما یقیم المرء شیئا من ذلك في منزلھ
.الخاص، وھو تبدل لھ علاقة قویة في القابلیة للتعدیل حتى في الموروث الاجتماعي
:ضرورة التحول
أما التحولات الكبیرة المؤثرة والمھمة فھي ھذا الانفتاح الاجتماعي على الداخل قبل الخارج، والنشاط العملي الذي ما ظن أكثر
الناس تفاؤلا أن یحدث مثلھ في المجتمع لیس في سنوات بل في عقود طویلة، فمنذ سبعین سنة عشناھا لم یستطع المجتمع أن
یقفز إلى الأمام بھذه السرعة والانضباط، تلك القفزات التي حدثت في سنوات محدودة وغیرت وجھ المجتمع ودفعتھ مسافات
.بعیدة إلى الأمام، حیث ترى في الأسواق وترى في الشارع وترى في أماكن العمل من التحول ما یشبھ المعجزة
تحول في المعاملات، وتحول في العلاقات، وتحول في الممارسات، وتحول ھائل في أدبیات التعامل بین البشر، وھو تحول
إیجابي أخرج الناس من دائرة المصدات المصطنعة والممنوعات المتخیلة ووساوس الشیطان وسوء الظن، وأعادھم إلى السلوك
.السوي الذي تعیشھ المجتمعات ویعرفھ البشر في كل مكان مع الاختلاف والتنوع والتعدد
نقلا عن صحيفة مكة