شكرا شربل وهبة فقد عملت ما لم نستطع عمله منذ مئة عام جعلت البداوة شيئا عزيزا علينا ومهمة لنا فصرنا كلنا بدو نظمنا بمدحها القصيد وسجلنا المطولات
وعدنا إليها بعد محاولة نسيانها وبحثنا في قواميس اللغة وفي تراثنا عن فضائل البداوة وقيمها وما فيها من معارف، ما كنا نبحث عنها قبلك حتى جئت فذكرتنا بها
وصيرتنا بدوا، من مع البداوة قبلك ومن كان ضدها.لقد جعلتنا نوقع على وثيقة البداوة بملحقاتها وبنودها وتفسيراتها بمحض إرادتنا، قررنا الانتماء للبداوة نكاية بك
فلن يميز بعضنا بعضا ولن يهمش بعضنا بسببها البعض الآخر، اليوم نعلن شرف الوحدة ونقر صفة البداوة ونشهد عليها بالشعر والنثر والحمية والفزعة والعصبية على
أي حال، أقررنا بمحض إرادتنا وبكامل قوانا العقلية بها، ونقول عدو يجمع قوله الناس خير من صديق يقول ما يفرقهم بفكره ورأيه.
قبل أقل من شهر أرسل إلي تسجيل لأحد رجال الدين الكبار في المملكة يقرأ عليه أحد طلابه نص حديث ينسبه للنبي -صلى ا عليه وعلى آله وأصحابه وسلم-
يقول «لا تصح شهادة بدوي على حضري» فعلق الشيخ على الحديث فما ترك لبدوي فضل في شيء وعمم الكلام على البدو وأضاف لهم الأعراب رغم أنها لم ترد في
متن الحديث الذي قرأ، ولم يميز بين عدالة الشهادة وإمكانية تحملها وقبولها وهو فيما يظهر المقصود من الحديث الذي قد لا يفهم بعض الناس المعنى المراد منه.
لكن الشيخ عفا ا عنه لم يلتزم بنص متن الحديث وهذا كلامه (وهذا من موانع الشهادة شهادة الأعرابي على الحضري الأعرابي وهو الذي يسكن البادية على
الحضري على ساكن القرية وهو الحضري؛ لأن البدو والأعراب يظهر عليهم الجفاء ولا يعرفون قيمة الشهادة ومسؤولية الشهادة بسبب جهلهم (الأعراب أشد كفرا
ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل ا على رسوله) فيهم جهل فالبدوي لا يعرف قدر الشهادة ومسؤولية الشهادة أما الحضري يتعلم ويسمع العلماء فيجلس مع
العلماء ويحضر مجالس الذكر فهو أقرب إلى الصدق من الأعرابي الجافي الذي لا يسمع شيئا).
ما بين قوسين هو كلام الشيخ بالحرف الواحد.
ولم يذكر حديث الرسول وشهادته لرجل من البادية الذي وصفه النبي بالتبدي فقال «إن زاهرا باديتنا ونحن حاضرته» وزكاه وأثنى عليه وقال وا ما أنت بكاسد وهو من البادية فلم تكسبه البادية جهلا ولا جفاء ولا كسادا عند الرسول ولم تنسه مسؤولية الشهادة كما زعم الشيخ، وحتى عندما دفع السياق الشيخ للاستشهادالا َو ِ ات الرُسولِ
ُرَب ٍ ات ِ ع ْنَد اِ َ و َصلَ
َ وَيت ِخُذ َ م ُ ا يْنِفُق قُِ الآخرِ
َي ْومِ
اِ َ والْ
اب َ م ْن ُ ي ْؤ ِم ُن بِ
بآية (الأعراب أشد كفرا) َ لم يورد الآية المقابلة لها وهي قوله تعالى «و ِم َن ْ الاعَر ِ
ُهُم ُ ا ِ ف َي ر ْحَمِتِه ان َ ا َ غُف ٌور َ ر ِح ٌيم» (99 (وكان الواجب عليه أن يورد الآية ومقابلها حتى يتضح القصد من القرآن وكيف ميز بين فريقين
ُه ْم َ سُي ْد ِخلُ
ْرَبٌة لَ
ان َها قُ
من الأعراب بحالين مختلفين كما هو معهود وموجود في كل جماعة من الناس حاضرة وبادية يوجد فيهم الفريقان.
والأولى به وهو يصدر حكما ألا يعمم على الجميع صفة واحدة (الكفر) على النوع كله ويغفل ما هو ضدها من الصفات وما يوجد من الاختلاف بين الناس، وهذا
الحديث ليس جديدا بل ناقش الأشكال فيه أهل الحديث والفقهاء وأئمة المذاهب وقتلوه بحثا وحاولوا تفسيره بمقاصد كثيرة وعلل معقولة واختلفوا في المراد منه
اواستشكلوا متنه وسنده ولا زال الاستشكال قائما، ولم يورد الشيخ شيئا مما ناقشه علماء المسلمين قبله وحاولوا توجيهه وما قالوا في متن الحديث وسنده، وفيهم من ضعفه وأنكره كالذهبي.
لا شك أنه يجب في الوقت الحاضر أن نراجع بعض تفسيراتنا لنصوص التراث ونقدر المتغيرات والمصالح، وما يصدق على الماضي قد لا يكون مناسبا للحاضر.
ما يهمنا ما بين رجل الدين عندنا ابن بيئتنا والعارف بنا حاضرة وبادية وبين شربل البعيد عنا المختلف ثقافة وبيئة ودينا من تعالق نصي كبير كلاهما يحمل في رأسه تصورا خاصا به موجه إلى الطرف الغائب عند الرجلين كليهما وهم البادية والبدو، وما لهم وما عليهم وسيستمر الجدل والتعريف والتصنيف واختلاف المقصود عند كل طرف.
والختام مع القطامي:
فمن تكن الحضارة أعجبته
فأي رجال بادية ترانا.
نقلا عن صحيفة مكة