بغض النظر عن نوع الوسيلة وحجم متابعيها تبقى الرسالة هي الأهم، والدليل أن الوسيلة يمكن أن تفنى، أو تتراجع، أو تتغيّر، ولكن الرسالة باقية ما بقي الإنسان، وشاهدة على تطور وعيه، وسلوك ممارسته، والثقة بواقعه، والتفاؤل بمستقبله، ورغم هذه الأهمية للرسالة، إلّا أن هناك من يحاول أن يسيء لنفسه من خلالها، ويقفز معها إلى المجهول بحثاً عن شهرة مزيفة، ورخيصة، ومأزومة بداء الاحتقان، وأحياناً العظمة، والأخطر الجهل المركب.

اليوم كثير من المشاهير في شبكات التواصل الاجتماعي يملكون الوسيلة لكنهم لا يحملون الرسالة، ولا يثّمنون قيمتها، وأهميتها، وأبعادها القانونية، ووصل الأمر بهم إلى المتاجرة بمحتوى رخيص وتافه، ولا يليق، ومع ذلك يحصدون العدد الأكبر من المتابعين الذين يروّج بعضهم التفاهة في المجتمع، من خلال التفاعل السلبي بالرد والتفضيل وإعادة النشر، وجميعها تطرح سؤالاً في غاية الأهمية عن مدى تقبّل الجمهور لمثل هكذا محتوى؟ وهل وصل الأمر إلى حالة من التنفيس عن الواقع بالبحث عن هذا المحتوى الرخيص؟

حتماً أن هناك تنافساً شرساً اليوم بين المشاهير على المحتوى، ولكن لم يتوقع أحد أن يصل إلى هذا المستوى الهابط في معظمه؛ فقليل منهم محافظ على لغته ورسالته ويؤطرها بحدود المسؤولية، وفئة ثانية تحاول أن تتمسك بقيم الرسالة ولكن لديها قابلية للتنازل عنها متى ما سنحت الفرصة للكسب المادي أو المعنوي بزيادة عدد المتابعين، وفئة ثالثة وهي العظمى التي حوّلت الرسالة إلى تجارة معلنة؛ فلا قيم ولا مبادئ، ولا إحساس بالآخر؛ فقط هو البحث عن المال والشهرة.

أعتقد أن لدينا تحدياً كبيراً.. وكبيراً جداً في تعاطي الجمهور مع محتوى المشاهير الرخيص، وهذا التحدي يتوقف على مدى نضج الممارسة في التصدي لمثل هذا المحتوى، سواءً بالنقد أو التهميش أو التصعيد القانوني، وهذا النضج موجود لدى بعض الجمهور، ورأينا مواقف كثيرة يظهر فيها صوت النقد لكثير من محتويات المشاهير التافهة، لكنه يحتاج إلى دعم، وأهم مصادر هذا الدعم الذي يأتي من النيابة العامة، وهي المسؤول الأول وفق اختصاصها عن حماية المجتمع من أي مظاهر أو سلوكيات تهدد قيمه ووحدته الاجتماعية، كذلك هيئة تنظيم الإعلام التي نتطلع أن تساهم التحولات الكبيرة التي تشهدها خلال هذه المرحلة في تأطير مثل هذه الممارسات، ونشر الوعي بالسياسات والإجراءات النظامية للحد منها.

اليوم المجتمع بأكمله في مهمة وعي للتصدي لظاهرة المتاجرة بالمحتوى الرخيص، والذي وصل إلى حد لا يطاق.. ولا يمكن قبوله أو تبريره.. أو جهل البعض بترويجه.

نقلا عن عكاظ