لا شك أن من واجب الرجال المستنيرين الذين يطمحون لبناء مجتمع متوازن يمشي على قدمين (الرجل والمرأة) أن يساعدوا المرأة لتحتل مكانتها اللائقة وتقوم بدورها في المسيرة الحضارية فتساهم بهذا في بناء مجتمع واع بدوره ومصالحه، قادر على انتزاع مكانة لائقة له بين الأمم المتنافسة الآن في الطريق الحضاري الطويل.. ولكن في المقابل من واجب المرأة أيضاً أن تساعد نفسها وتستثمر الظروف المواتية والإمكانات المتوفرة لتزيح بنفسها الكثير من العوائق التي تعترض مسيرتها.
بعض القيادات النسائية اللاتي وصلن للصفوف المتقدمة في مسيرة المرأة لا شك أن مواهبهن وقدراتهن من عوامل تأهلهن لما وصلن إليه، ولكن مما لا شك فيه أيضاً أن القيادة الواعية هي التي أعطتهن تلك الدفعة الأخيرة التي أوصلتهن إلى المنصب الرفيع المؤثر الذي هن فيه الآن، وكان المفروض أن تكون دفعة القيادة لهن مثل دفعة الصاروخ للمركبة الفضائية التي تضعها في المسار ثم تقوم المركبة بدورها.
بعض تلك القيادات بصراحة بعد أن رفعهن وعي القيادة للمكانة العالية المؤثرة لم يقمن بالدور الريادي المطلوب، ولا أقصد بذلك دورهن الحكومي الرسمي، بل أقصد الدور الذي تحتاجه المرأة الآن في المملكة من كل صاحب مكانة عالية وكلمة مسموعة مؤثرة لتحتل مكانتها اللائقة في المسيرة، وبعضهن حاولن كما يبدو لي القيام بهذا الدور لكنهن تراجعن سريعاً وتوارين عن المشهد الريادي بمجرد أن تعرضن لمقاومة التيارات المقتنعة بأن مصلحة المجتمع أن يمشي بقدم واحدة ويترك قدمه الأخرى في المنزل، كما أنهن حسب الظاهر يحاولن بين الحين والآخر الإطلالة على المشهد بشكل متواضع لكنهن يتراجعن سريعاً حين تبرز مقاومة أصحاب الآراء الأخرى. ولذلك فهن الآن ـ كما يبدو لي ـ يراقبن الساحة من نوافذ مكاتبهن كي ينزلن إليها عندما تخلو من المقاومين، ولأن هذا (أي خلو الساحة من المقاومين) لن يحصل فإن تواريهن ربما يطول، فطريق الريادة محفوف بالمصاعب والمكاره، ولا توجد مسارات تؤدي للتحولات الكبرى خالية من المقاومة والحوارات والأصوات العالية بل والتدافع أيضاً.
المناصب التي وصلت إليها المرأة الآن وصلت إليها بفضل مسيرة الوعي، ومعنى هذا أن أولئك اللاتي وصلن لتلك المناصب لم يتبوأنها أو على الأصح لم يقبلن أن يتبوأنها حسب المفترض إلا لكونهن من المقتنعات بمشروعية المسيرة ومشروعية وسائلها، وإذن فهذا يضع على عواتقهن مسؤولية حمل راية المسيرة وحماية المكاسب والإضافة لها، أما الاتكاء على الوعي السياسي والركون له دون المساهمة بما ينبغي فهذا لا أظنه الخيار المطلوب.
مجتمعنا السعودي يمر الآن بتحولات ملحوظة من أبرز ما فيها تلك الحوارات المشروعة العالية الصوت من كافة التيارات، ولا شك أن المرأة الآن عنصر فاعل في ذلك، إذ نلاحظ وجود حركة نضال نسائية بارزة في الإعلام وفي ميادين الأعمال، ومن بين تلك الأصوات النسائية تتميز محاولات جادة لأداء الأدوار الريادية، وكان المفروض أن اللاتي وصلن إلى المناصب الحكومية العالية في المقدمة، لكن أحياناً أبحث عنهن فلا أبصرهن بوضوح ولا أسمع أصواتهن كما ينبغي، وقد يكون الخلل في أسلوب بحثي وضعف سمعي، أو ربما مبالغتي في الأدوار التي أتطلع إليها.
من حق كل رجل يرى أن تبقى القدم الأخرى للمجتمع في المنزل أن يجادل ويحاول إقناع الأطراف الأخرى بوجهة نظره، ومن حق كل امرأة تعتقد أنها ظلمت أن تحاول رفع الظلم عنها، ومن حق كل رجل يطمح في مجتمع متوازن يسير على قدمين (رجل وامرأة) أن يعبر عن وجهة نظره.. من حق الجميع أن يعبروا عن آرائهم ويحاولوا كسب الآخرين لوجهات نظرهم.. لكن بشرط أن يكون كل ذلك بالحوار ومحاولة تكوين رأي عام يتبنى وجهات نظرهم بغرض التأثير على متخذ القرار.. وهذا هو كل ما أريد وأتطلع إليه من القادرات على القيام بالأدوار الريادية في هذه المرحلة الحساسة التي نمر بها الآن، وإذا كن يعتقدن أن التواري عن المشهد يكفل لهن الاستمرار في المنصب فهذا غير صحيح في رأيي لأن وصولهن كان بتأثير حركة الوعي التي لن ترضى بهذا ولن تقره.
نقلا عن الوطن