عندما قامت الثورة التونسية قال الرئيس السابق زين العابدين بن علي إنه قد فهم مطالب الناس وألقى باللائمة على أعوانه الذين حجبوا عن أذنيه صوت الشعب، وعندما قامت الثورة في مصر قال الرئيس السابق حسني مبارك إنه يعي تطلعات المواطنين وكلف نائبه المعين بإدارة حوار وطني مع الشباب للتوصل إلى نتائج مقبولة للجميع، وفي اليمن ما فتئ الرئيس علي عبدالله صالح يطالب المعارضة في كل أسبوع بالانخراط في حوار شامل للبحث في مستقبل الدولة وإدارة شئونها، وحتى الرئيس بشار الأسد أدرك الآن قيمة الحوار الوطني وشكل له لجنة يرأسها نائب الرئيس.
العامل المشترك بين هذه الحالات جميعها هو أن الإستجابة لصوت الناس والبدء في حوار وطني قد جاءت في الوقت الضائع وبعد أن فقد الشعب ثقته في إمكانية الحوار أو جدواه.. في المملكة العربية السعودية تجربة مغايرة فريدة، فلقد دعا خادم الحرمين الشريفين إلى الحوار الوطني قبل أن تصبح تلك الدعوة موضة أو طوق نجاة، وأسس للحوار مركزاً وطنياً وهيأ له الأسس والقواعد اللازمة ووفر له الإمكانيات وفتح أمامه كل الأبواب وطرح على مائدته مواضيع لم تكن قبل ذلك تناقش إلا في المجالس الخاصة مثل قضية الوحدة الوطنية وتعدد المذاهب والحوار مع الآخر وقضايا الشباب والمرأة والتعليم وغيرها من الأمور الحيوية الحساسة.
نشرت جلسات الحوار الوطني شيئاً من التفاؤل بين عموم الناس وبشرت بعهد من الانفتاح وبمزيد من التسامح والقبول بتعدد المناهج مع وحدة الرؤية.. ثم بدأ الحوار الوطني يدخل في دهاليز البيروقراطية، وراح يطرح للنقاش مواضيع خدمية وإجرائية هي أجدر بأن تبحث في جلسات تخصصية يعقدها مجلس الشورى ومجالس المناطق، وارتبطت القيادة الثلاثية للحوار في أذهان الناس بالنهج التقليدي الذي لم يتمكن من مسايرة إيقاع الأحداث وموجات الغليان الفكري في الوطن العربي وبدلاً من أن يصبح مركز الحوار الوطني منارة للفكر المتجدد ومصدرا للإبداع ومنتدى للعصف الذهني اصبح المركز اليوم مؤسسة حكومية أخرى تعنى بتبرير وجودها وتهتم بإصدار تقريرها السنوي.
المركز اليوم مطالب بتجديد روحه وشبابه واثبات أن له دوراً مركزياً في خضم أحداث الساعة وأتمنى لو أن المركز يبادر إلى عقد جلسة استثنائية للحوار حول أمواج التغيير في الوطن العربي وأين مكاننا منها وكيف يمكن أن نتيح للشباب فرصاً حقيقية للتعبير الصادق عن رغباتهم وتطلعاتهم ، وأتمنى لو أن مركز الحوار بادر إلى تشكيل وفد شعبي للقاء بإخواننا في تونس ومصر واليمن وغيرها وتبادل الرأي معهم وإيضاح حقيقة الموقف السعودي الشعبي والرسمي من أحداث تلك الدول وكيف أن المملكة وإن كانت تحترم قياداتها السابقة والحالية إلا أن ولاء المملكة وعواطفها هي دائماً مع الشعوب الشقيقة ومع مصالح تلك الدول وأمنها واستقرارها ورخائها ووحدتها الوطنية، كما أتمنى لو أن المركز يعقد جلسة استثنائية أخرى لتقويم أعماله ومراجعة بياناته التي أصدرها في جلسات الحوار السابقة ومعرفة ما تم تبنيه منها وما لم يتم الأخذ به.
لقد ولد الحوار الوطني وأنشئ مركزه بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، ولكن استمرارية المركز وحيويته ونشاطه لا يمكن أن تزدهر إلا بمبادرة المؤتمنين عليه من مسئولين وعاملين، وإذا كان الحوار الوطني قد نجح في سد ثغرة في مداولات مجلس الشورى واهتماماته فإن من الضروري أن نتدارك أمور المركز نفسه.
نقلا عن المدينة