انتهى زمن «كلّه تمام يا ريّس» لأن وعي الشارع فاق خطط ومفاهيم السلطات، فقد سبق أن تكلم حسني مبارك أثناء الثورة ب «لا للتوريث» وابن علي خاطب شعبه بكلمة «فهمتكم» وتبرأ علي عبدالله صالح من كل الاتهامات التي ألحقت به، وبناء على المشاهد السريعة التي شاهدها وتفاعل معها المواطن العربي، انشّد لما سيقوله الرئيس بشار الأسد وفيما سيقلب الطاولة على خصومه بإجراءات جذرية، أي بدلاً من الخطاب الذي اهتم بالوعود على القيام بالتطبيقات العملية، فانقلبت الصورة كلها، وتحول الأمر إلى خيبة أمل عامة..
فالشعب خرج متحدياً لإدامة تظاهراته وتركيا لم تهول، ولكنها أرادت عملاً جاداً والغرب قال بضرورة إطلاق الأعمال قبل الأقوال، بمعنى أن المتفائل اعتقد بإصدار قرارات عملية ونزع أنياب من خلقوا الأزمة حتى المقربين منه، لكن يبدو أن مسار الأمور اختلف إلى حد تقلص الثقة بالسلطة والمحيطين بها..
كان المفترض الإقرار بأن هناك شعبا ثائرا، لا مؤامرة جاءت من أعداء مفترضين ولكنهم بلا وجود حقيقي على الأرض، وكان لابد أن يكاشف الشعب بكل ما يتعلق بالفساد والتعدي على القوانين واحتكار السلطة حتى يكون للخطاب جاذبيته وتأثيره، لكن ما حدث جاء مغايراً لأبسط من انتظر تغييراً حقيقياً يحمي السلطة، ويوفر للشعب حقوقه التي من أجلها ارتفعت الأصوات وخرجت المظاهرات..
فلجان التصحيح والتغيير، والحوار الوطني وتعديل الدستور وحكم الحزب الواحد، جاء من يفندها بنفس الحجج، والموضوع الآن تعدى اللجوء للعنف أو الاحتماء بقوة خارجية أمام جماهير تخلت عن نظريات الحكومات الدكتاتورية، إلى مطالب محددة ولا تقبل التجزئة أو التنازلات، وكان المفترض على شاب مثل بشار بعمر شباب التواصل الاجتماعي أن يكون على نفس الخط من الاهتمام والإدراك، لا أن يلجأ لكلاسيكيات اتقان مخارج الحروف وانتظار تأثيرها على مجتمع يعيش عالم الواقع لا الخيال، وقد كان على الرئيس بشار تشخيص العلة ثم استعمال أدوات جراحته كطبيب، لكن يبدو أن الرؤية جاءت ضبابية في السعي لحلول جزئية تخضع لروتين السلطة ورغبة الأجنحة تمريرها أو منعها..
التحديات كبيرة لا تحصر بإصلاحات صغيرة أو انتهاج خطوات تجميلية، فما حدث في بلدان عربية، كان المفترض أن يكون تجربة لحكومة سوريا والنظر لما يجري أنه ليس صدفة أو حركته عوامل خارجية بل جاء كنتيجة طبيعية لتراكم تجاوزات تجذرت منذ عشرات السنين وصار الرأي العام الشعبي يدرك ضرورات التغيير سلمياً، لكن الخروج عن الخط باستعمال القوة، وحديث إعلام السلطة، أو من يظهرون على الشاشات لمحطات الفضاء من عمليات تبرير لحقائق تكذبها مئات الآلاف من المطلوبين والمساجين، ودرجات الفقر والبطالة التي وصل إليها الشباب، هي وقود الثورة وتصاعدها..
الاحتجاجات الداخلية ورافدها الرأي العام العالمي المؤيد لها واتخاذ اجراءات ضغوط اقتصادية وسياسية خارجية، عوامل لا تتحملها دولة في حزام العالم الثالث وسوريا جزء من دول لا تتحمل تبعات الأزمات المتلاحقة.. أو تقادمها..
kنقلا عن الرياض