أظهر الجهد التاريخي الذي أجرته الباحثة جوديث تكر في مصر وفلسطين، كيف اختلف الالتزام بميثاق المحافظة على المرأة وفقاً للطبقة الاجتماعية في القرن التاسع عشر في القاهرة ونابلس، فبينما اكتسبت مبادئ احترام المرأة مهمة مبالغاً فيها في أوساط الطبقة العليا، فاقتصرت حركة المرأة على جناح الحريم، أو الحرملك بلغة الأستانة، نجد أن المرأة بالنسبة إلى الطبقة الدنيا كانت تُعَدّ ركناً محورياً وأساسياً في حياة العمل العام، وبالتالي التغاضي عن مسألة عزلها، أو يمكن القول إن المجتمعات الزراعية كانت تتحمل فكرة عزل المرأة بدرجة أقل، فالبحث الذي أجراه ريتشارد أنطون (هل لاحظتم جنسية الباحثين ومدى اهتمامهم بدراسة أحوال منطقتنا؟) في قرية أردنية في ستينات القرن الماضي، وتوصَّل فيه إلى أن عمل الفلاحة ضرورة لا يُستغنى عنها لبقاء زراعة الحبوب الجافة في القرية، ما يستلزم وجود المرأة في الخارج إلى جانب الرجال، رجال أسرتها وكذا رجال غير ذوي القربى، ولا مناص من التعامل المباشر معهم، ومن ثم، فقد اعتُبر كلٌّ من النظام الزراعي والتقسيم الجنسي للعمل من بين العوامل الرئيسة التي خففت من عبء التقيّد العملي بالتقاليد، حتى لو احتلت هذه التقاليد جزءاً لا بأس به من النقاش المحلي.
الغريب أن هذا التقسيم لا يزال قائماً، فطالما أن هناك مجتمعاً، ستظل الطبقات المجتمعية - عليا ووسطى ودنيا - قائمةً، ومع ذلك نجد أن التحول قد أصبح معكوساً، فنساء الطبقات العليا إنما يتحركن نسبياً بحرية أكبر من غيرهن، بينما نجد نساء الطبقات الفقيرة أحوج ما يكُنَّ إلى التصرف الذاتي في شؤونهن، وأن غالب رجالهن من المقاومين لقرار قيادتهن السيارة، مثلاً في دولة كالسعودية، مع أن المنطق يميل إلى أن يكون رجال الأسر الفقيرة من المؤيدين لمثل هذا القرار، نظراً إلى أوضاعهم المعيشية الصعبة، فإن فسّرْنا عنادهم بوعيهم المتحجّر ونضجهم الفكري المتدني، فمن أقنع رجال الطبقات الفقيرة في القرن التاسع عشر بالتعاطي الطبيعي غير المتشنج مع المرأة؟ عموماً تنبغي الإشارة هنا إلى أن منْ قمْن بتأسيس شيء يذكر باسم المرأة العربية، من جمعيات إلى مؤسسات أو حتى منظمات، جِئْنَ من أوساط عليا ومتوسطة، فدائماً هنَّ زوجات وبنات وشقيقات رجالات الحياة العامة، هؤلاء النساء بالذات من يقع عليهنَّ دعم وضع المرأة السعودية اليوم، وإلا ستظل هذه السعودية كلما انتقدت قانوناً مجحِفاً أو طالبت بحق مغيَّب، عرضةً للانتقاد المجتمعي والتجريح القاسي الذي قد يصل إلى حد تهديدها والتنديد بعائلتها.
على الرجال البارزين تحمُّل جزءٍ من مسؤوليتهم التاريخية في تمكين المرأة من حقوقها الإنسانية، فإن كانت الحياة ميسَّرة أكثر أمام نسائهم بسبب مراكزهم ونفوذهم وأوضاعهم المادية، فهي ليست كذلك مع بقية نساء الوطن، اللاتي لا ظهْر لهنَّ سوى قوانين تنصفهنَّ وتحمي حقوقهنَّ، فإذا انعدمت هذه النوعية من القوانين، أو سُنّت وتم التحايل عليها والالتفاف حولها، فمن يضمن لهؤلاء النساء حقوقهنَّ الضائعة بكل ما سيترتب عليه هذا الضياع! صدقاً، لا يكفي حضور نساء المسؤولين للندوات والحفلات وتوزيع الشهادات والجوائز على الحاضرات كي نحسّن من أحوال نسائنا، فالتطور الفعلي والحقيقي المؤثر لا يقف عند أعتاب هذه الأنشطة الاسمية، ذلك أن موافقة المسؤول على مواقف امرأته وتأييده لها وما تتبناه من طرح جاد - إن حصل - إنما يعني الارتقاء درجة، وربما درجات في إرساء تقدمها وتثبيت التغيير، كما يعني دفاعه عن شرفها، الذي عادة ما توجه إليه أولى الرصاصات في سلسلة اتهامات جبهات الرفض والمعارضة، أمّا من يهاجمون المرأة ويحذّرون من أخطائها، فنقول لهم إن الخطأ ليس حقاً ذكورياً، والمرأة لم تُخلَق كائناً ملائكياً، كما أن الحياة لم توجد للرجال فقط .
نقلا عن الحياة السعودية