لازلنا نعبر جسر الربيع العربي ولازلنا لا نعلم ماذا يوجد على الضفة الأخرى من جسر الربيع العربي وكثيراً ما تواجهنا الأسئلة المهمة مع كل اهتزاز لهذا الجسر السياسي بحدث كبير أو صغير حيث يبدو لنا وكأنه جسر من قش ضعيف متهالك قد يسقط بنا في أي لحظة.
لقد تزاحم العرب فوق جسر الربيع العربي وأطلق أحدهم عليه هذه التسمية وأُعجب بها الكثير مع العلم أن تفسيرات سبب بناء جسر الربيع العربي ونصب قواعده تعود إلى مشكلات مجتمعية ليس لها علاقة بالربيع الفصلي فطقوس المرور عبر هذا الجسر وانطلاقة تدشينه في العالم العربي ابتدأتا بإحراق جسد الشاب التونسي (البوعزيزي) وهذا ما يجعله ربيعا أسطوريا طقوسيا يصعب تفسير علاقاته الروحية بعلاقاته السياسية.
لقد نصب هذا الجسر وبنيت قواعده على مشكلات اقتصادية ومشكلات البطالة والإسكان وكمّ ليس بالقليل من الفساد الظاهر في مناحي الحياة في دول الثورات العربية، ولكن ما اكتشفته أخيرا في ظاهرة الربيع العربي أن حصار المجتمعات التي قامت فيها الثورة دينياً بدأت تظهر له ردود أفعال مختلفة فبجانب المشكلات الاقتصادية سالفة الذكر يثبت وبشكل يومي أن المشكلات المتمثلة بالتدخل في الممارسات الدينية الأساسية للمجتمع كانت محورا وسببا مستترا أثبتته العملية السياسية التي قامت في دول الربيع العربي بعد سقوط رؤسائها.
ليس كل العرب مطلوب منهم أن يمروا عبر هذا الجسر وأجزم أنها دول قليلة تلك التي وصل الأمر فيها إلى رغبة شعوبها في دفعها نحو مدخل هذا الجسر فكثير من تلك الدول لديها الكثير من مقومات بناء جسور إصلاحية خاصة بها لتعبر إلى عالم الجانب الآخر من جسر الربيع العربي، فشروط بناء هذه الجسور موجودة في خطط الإصلاح والتنمية ولكن عليهم آن لا ينتظروا طويلا حتى لا يجبروا بالمرور عبر هذا الجسر الذي ينتظر العالم نهايته ليعرف ماذا سيوجد على الضفة الأخرى من ذلك الجسر.
ما يحدث من عملية سياسية ومحاولات ديمقراطية اليوم في تلك الدول التي مرت بالثورات العربية هي عملية ديمقراطية لم تتشكل أرضيتها السياسية الصلبة والسبب أنها لازالت لم تبلغ ضفة النهر الأخرى فهي لازالت فوق جسر اسمه جسر الربيع العربي وأجواؤه صيف حار أو برد قارص أو خريف انتزع أوراق الأشجار سياسيا واجتماعيا فكل يوم هناك شكل من الفصول السياسية.
السؤال الابتدائي هنا يقول ما علاقة "إسلام يوم الجمعة" بجسر الربيع االعربي..؟ وما علاقة السياسي والاجتماعي العربي بكل ذلك؟
الإجابة هنا ستكون شكلًا من التحليل الاجتماعي وليس السياسي فالربيع العربي ربطنا وبشكل مباشر بيوم الجمعة حيث اختلطت على المنابر في ميدان التحرير إسلام التحرير مع خطبة الجمعة وأصبحت الجمعة موعدا متواترا للغضب السياسي من أولئك الذين يمرون بجسر الربيع العربي حتى إن بعض هتافاتهم السياسية يوم الجمعة كادت أن تكسر الجسر وتلقي به في مسار التاريخ فهل ولد لدينا إسلام خاص بيوم الجمعة عنوانه إسلام سياسي وإسلام اجتماعي وإسلام فكري؟!
لا نعرف جميعاً أهو من باب الصدفة أن يكون يوم الجمعة عنوانا مميزا للثورة العربية ويتبلور فيها إسلام سياسي خاص بيوم الجمعة يمارس دورا تعبوياً في الشارع العربي، ثم نجد على الطرف الآخر في الكثير من مجتمعاتنا العربية تركيزا كبيرا على صياغة دور مستحدث روحي ليوم الجمعة لم نكن نعرفه قبل عقود وعبارات الرسائل التلفونية "جمعة مباركة" ، ودعاء الجمعة هل هناك صياغة سياسية مشتركة بين هاتين الظاهرتين ونشوء ظاهرة التهنئة بالجمعة وجعلها رمزا يولد في جنبات الفرد العربي المسلم كل أسبوع؟ هل تجرب المجتمعات العربية نوعا من المنبهات السياسية مربوطا بالساعة البيولوجية الروحية؟ كما أن انتشار ظاهرة محاربة الفساد وكشف الأسرار تحت عناوين أيديولوجية يزيد كثيرا من القلق حول ظاهرة الجمعة في إسلام الربيع العربي.
في رؤية مجتمعية قد تبدو أقرب إلى الحقيقة يوجد فرضية تقول إن المجتمعات ذات الإطار الديني المشترك لديها القدرة على صياغة نموذج متفق عليه من الجميع لتمرير رسائلها خاصة إذا كانت هذه الرسائل ليس لها علاقة بالاختلافات في تفسير محطات مركزية في العقائد وخصوصا إذا كانت تلك المجتمعات لديها أنشطة اجتماعية تدار تحت غطاء الأيديولوجيا "زمن الصحوة " أقرب الامثلة، بمعنى دقيق من الواضح أن كثيرا من المجتمعات العربية تجرب الطريق الروحي لتحقيق أهداف سياسية من خلال جماعاتها ومنظماتها المؤدلجة حيث يعتبر يوم الجمعة مثلا مناسبة روحية يصعب التشكيك فيها بل يستحيل كونها قضية ثابتة ومتفقا عليها بين الجميع وهذا ما يوجب طرح الأسئلة المكتوبة بالأحمر حول قدرة المجتمعات على تنفيذ مساراتها السياسية تحت أغطية مفتعلة من الفكر والثقافة.
قد لا تبدو الصدفة مقبولة في سياق هاتين الظاهرتين: الظاهرة السياسية التي اختارت أن يكون يوم الجمعة في ميدان التحرير وفي سورية بل حتى في تونس أول الداخلين إلى جسر الربيع العربي، والظاهرة الاجتماعية التي سبقت الظاهرة السياسية..
إسلام يوم الجمعة مصطلح أستعيره من فكرة فلسفية سادت في الديانة السماوية الثانية وأطلقها بعض الفلاسفة ولكن أناقشها هنا من خلال منظور سياسي اجتماعي مختلف فهل خطط ليكون استثمار يوم الجمعة محور الانطلاق في الثورات العربية ، أم كان الأمر صدفة..؟
الواقع يقول إن الوعي في مجتمعاتنا يصعب عليه التفريق بين الصورة الواضحة لظاهرة الاحتفاء بيوم الجمعة، وبين الصورة الخفية فمستوى الوعي والتفكير في مجتمعاتنا العربية الإسلامية تغلب عليه السطحية فمستوى التعاطف مع مشهد ديني في وسط مظاهرة سياسية (صلاة أمام مدرعة ترش الماء الحار) يفوق الهدف السياسي للمشاهدين ولكن يغيب الهدف الحقيقي،،
صحيحٌ هناك مصداقية للمشهد ولكن هناك هدف يحمله المشهد داخل أحشاء الأفراد دون علمهم.
بمعنى أكثر وضوحا خلطُ المشهد العاطفي الروحي بالمشهد السياسي الفكري هو أكثر الأزمات إرباكا للسياسة حيث يُخلط عمل صالح بمشهد مختلف الهدف ، لذلك فإن إسلام يوم الجمعة بحاجة إلى عملية فكرية كبرى لفصل توائمها السياسية عن توائمها الفكرية.
خلال المرحلة القادمة سيكون الغطاء الأيديولوجي أكبر مما هو عليه الآن لكسب حركة الشعوب العربية عبر استعداده لفرض الكثير من الحلول السياسية والاقتصادية لمحاربة الفساد وفرض الإصلاح فهل تمر هذه الفرضية عبر جسر المجتمعات؟
سؤال يستحق الإجابة..
نقلا عن الرياض