الحراك المدني في الساحة السعودية يأخذ منحنيات كثيرة وعديدة، تجاه العديد من القضايا المحلية التي لها علاقة بالجانب الاجتماعي، أو القضايا الثقافية التي هي محل جدل نخبوي نزل إلى الشارع الثقافي ــ إذا صح الوصف ــ حتى غدت الكثير من القضايا النخبوية قضايا شعبية يدور حولها الجدل كرأي عام.
والجامعات السعودية بوصفها أحد أهم القطاعات الحكومية التي تختص في دراسة المجتمع، أو تتفاعل معه من ناحية المدخلات والمخرجات التعليمية والوظيفية، فإنها كانت خارج إشكالية هذا الجدل الفكري والثقافي والاجتماعي في معظم ما تقدمه، وبقيت في إطار الشغل الأكاديمي الذي يهتم بقضايا نخبوية جدا، وبعضها خارج المنظومة الاجتماعية، إلا من قبيل اجتهادات فردية من بعض المثقفين الذين لهم حراكهم الذي سوف يكون حتى لو كانوا خارج هذه الجامعات، أما في حقيقتها، فالجامعات لديها قصورها العلمي الحاد تجاه الواقع، أو حتى تجاه المفهوم العلمي لكثير من العلوم؛ فضلا عن دراسة المجتمع أو التفاعل معه في قضاياه المصيرية؛ ينطبق هذا على المادة العلمية كما ينطبق على الاشتغال الأكاديمي، وعلى أنظمة الجامعات ذاتها، بل ويصل أحيانا إلى تغييب المفهوم العلمي للكثير من المادة العلمية لهدف غير علمي مطلقا يدخل في إطار الايديولوجي، أو حتى جوانب شخصية.
يصل الأمر في بعض الأحيان إلى تغييب حق الطلاب التساؤلي لمجرد غرور أستاذ المادة أو ربما لقصوره المعرفي أو غير ذلك، وحتى لا أكون متجنيا أذكر مثالا صغيرا حول تصرف مدير فقد فصل طالبا من إحدى الجامعات لمجرد أنه انتقد مدير الجامعة في لقاء الطلاب معه قبل أن يتم إعفاء هذا المدير قبل فترة قريبة، وإذا كان هذا التصرف يحصل من مدير جامعة وهو على رأس الهرم الجامعي فكيف بمن هو أدنى؟!.
إن أولى الخطوات التي كان على الجامعات اتخاذها هي تشكيل مجالس الطلاب والمجالس الجامعية بحيث تكون هي نواة لمؤسسات المجتمع المدني تعمل على مبدأ الانتخابات لهذه المجالس وعدم التفرد بالقرارات الجامعية من قبل عدد محدود من المسؤولين في الجامعة بحيث يمكن حتى انتخاب مدير الجامعة نفسه كل أربع سنوات ومن ثم يعود هذا المدير إلى عمله الأكاديمي حاله كحال غيره. ما الذي يمنع من انتخاب مديري الجامعات واستبدالهم بغيرهم عن طريق التصويت؟.. إن سياسة التعيين لم تعد هي السياسة الفاعلة، بإشراك المواطنين والأكاديميين والطلاب وتفعيل لجان المراقبة من خلال تأسيس ما يمكن أن أسميه: (مؤسسات المجتمع الأكاديمي) على غرار مؤسسات المجتمع المدني!..
فاعلية الجامعات هي فاعلية للمجتمع ذاته، فإذا كانت هذه الجامعات ذات حراك حقيقي في داخلها فإن ذلك سينسحب على أبناء المجتمع، ولذلك تصبح أهمية تأسيس المجتمع المدني من داخلها مضاعفة بالنسبة لغيرها من القطاعات الأخرى؛ لكن الملاحظ أنها تأتي متأخرة كثيرا عن حراك الشارع ولولا احتجاجات الطلاب الأخيرة لبقيت كما هي حتى الآن.
إن أهمية الحراك المدني تكمن في مدى الفاعلية الاجتماعية والثقافية لدى الشعب، أي أن يكون لأبناء المجتمع مشاركة في القرارات المصيرية، والجامعات هي أحد أهم الخطوات التي تقود إلى هذه المشاركة بشكل سلمي ومنظم، كونها الجهة التي يخرج منها المجتمع بشبابه إلى كافة القطاعات الأخرى بلا استثناء.
نقلا عن عكاظ