لأكثر من أربعين عاماً أنشأت وزارة المعارف آنذاك المدارس المتوسطة الحديثة، وكانت استنساخاً للتجربة اليابانية، عندما يجتمع بالمدرسة تعليم نظامي نظري، مع ورش نجارة وحدادة وسباكة، وكهرباء وغيرها، وكانت نموذجاً للجمع بين المهنة، والتعليم العام حتى إن المرحوم مدير تعليم المنطقة الشرقية في ذلك الوقت استطاع أن يغطي احتياج العديد من المدارس من المقاعد من عمل الطلاب.. ووسط جدل بين رافضٍ لاستمرارها، وخاصة من تولوا مناصب قيادية والعائدين من أمريكا، وبين من خططوا لها، أهدرت التجربة بناء على رغبة الطرف الأول وكانت خسارة هائلة لمستقبل البلد برمته!!
الآن لدينا عشرات المعاهد والكليات في كل الاختصاصات المهنية والفنية، ويصرف عليها عشرات المليارات، ولا نجد أثراً لخريجي هذه المؤسسة بينما في كل صحيفة أو مناسبة نرى تصريحات القائمين عليها بالأدوار التي قاموا بها في حين كل إدارات الصيانة وشركات الكهرباء والبتروكيماويات وأرامكو والمستشفيات، لا نرى فيها وجهاً لما يزعمه رؤساء ومديرو الجهاز الفني والإداري لهذه المؤسسة، بارزاً، بينما عمرها تعدى عشرات السنين منذ البدايات الأولى، بل والمصيبة أن من تقبلهم الشركات الكبرى من الخريجين يعاد تدريبهم من جديد، وتأهيلهم وفق متطلبات الشركات والمؤسسات..
ليس لدينا إحصاءات موثقة عن العدد الذي دخل سوق العمل، وكذلك الاختصاصات، وكم نسبة الإحلال عن الأجانب، وكم عدد المبتعثين، ولمن عادوا وأين تم توظيفهم، وهل العمر الطويل منذ بدايات هذه المؤسسة، والخطط الموضوعة والمصروفات الهائلة استطاعت سد احتياجات السوق من تقنيين وفنيين ومساعدي مهندسين وغيرهم، وكم ذهب من تسرب إلى الأعمال الإدارية؟!
اسئلة كثيرة، والمؤسسة تعلن عن نتائجها الباهرة والقطاع الخاص والحكومي يشكوان ندرة هذه العمالة واستطاعتها أداء دور الأجنبي، وآخرون يتحدثون أن تأهيل المعلمين والفنيين لا يرقى إلى الدور الذي يوجد في بلدان تعطي لهذا التعليم، اهتماماً ريادياً رغم أنها تتمتع بنظام مرن وممتاز، والأسباب غير مفهومة إذا ماعلمنا أن وكالات السيارات وورشها، ومن يعملون في الصناعيات والزراعة، كلهم أجانب مع وجود حوافز وقروض لأصحاب المهن من السعوديين..
إعادة النظر في سياسة التعليم الفني على كل المستويات، ومن قبل اختصاصيين ورجال أعمال وشركات كبرى أصبحت أمراً ضرورياً، لنصل إلى أهداف هذا التعليم الذي يعد ركيزة أساسية في التنمية، أما تركُه على حالته الراهنة فستستمر السلبيات وعندها لا نستطيع التفريق بينه وبين التعليم العام من حيث الدور الذي يلعبه، وتجربة هذه السنوات ذاتها يجب أن تطرح لنعرف العائد الأساسي منذ التأسيس وإلى اليوم..
نقلا عن الرياض