المتابع لسوق الأسهم السعودي يرصد العديد من الملاحظات العجيبة التي تستدعي التوقف. فمن عجائب أحوال هذا السوق أن من يتلاعبون بمصائر الناس داخله يبدون وكأنهم لا يخشون نظاماً، ولا مساءلة. ولا تسألهم عن غياب المسؤولية والأخلاق الإنسانية وقبلها الإسلامية ومفهوم الرزق الحلال والبيوع المحرّمة خاصة عند بعض "كبار" السوق.
ومن غرائب هذا السوق أن مسألة رفع سعر سهم بلا مبرر هي المبرر الوحيد لتفسير ظاهرة ارتفاع سعر شركة وانخفاض أخرى. وفي ظل نظام سمح للأفراد بأي مبلغ أن يتداولوا الأوراق المالية يومياً فلك أن تتخيل المشهد اليومي للقطيع ومضاربو الأسهم يسوطونهم ذات اليمين وذات اليسار.
ولأنه سوق جماهيري وشفافية الشركات تتخفّى وراء قوة الكبار وحيل القانون نجد السوق بات مرتعاً للشائعات والإرجاف فتجد شركات خاسرة تتضاعف أسعارها قبل إيقافها فجأة، والمصيبة انه حينما يعلّق تداول شركة ما تجد مالكي أسهمها من الصغار محشورين لا يعلمون ما الذي يجري، وقد تجد شركات لم تربح منذ سنوات ومع هذا يبلغ حجم تداول أسهمها مليارات الريالات شهريّاً!
نعم هي سوق حرة وبلادنا تتمتع بميزات السوق المفتوح ولكن المسألة هنا تتجاوز ذلك إلى ملمحين خطيرين..
الأول: المساس بالأمن الوطني إذ يمكن لأي شخص (أو جهة) وبمبلغ معين أن يجعل الأمن الاقتصادي للوطن والناس في خطر جراء القدرة والمرونة اللتين يتيحهما الوضع لمن ملك السيولة الكافية للتلاعب بالسوق.
والملمح الثاني أن الممارسات الاستفزازية لبعض مضاربي سوق الأسهم مثل صراعات الاستحواذ على الأسهم، ومعارك "تكسير" العظام بين مجموعات المضاربات، ولعبة النسبة العليا والدنيا لبعض الأسهم بشكل استفزازي كلها مظاهر تستثير السواد الأعظم من الناس المتضررين جراء جهلهم وتدافعهم وراء الحيل الماكرة للمضاربين.
نحن نحمد لهيئة سوق المال تحركها - وإن تأخر- لتعليق تداول بعض الشركات، ولكن لابد من الإقرار أن الخطوات المتأخرة لا تعالج إحباطات المغرّر بهم ممن يجهلون جشع سوق المال، وسعار بعض مضاربي الأسهم الذين حولوا نشاطهم في السوق إلى مقامرة محمومة يصطادون فيها في كل موسم آلاف الضحايا الجدد.
لابد أن هناك حلولًا عالمية مجرّبة ، خاصة وأننا سوق ناشئ قياساً بمن بدأوا قبلنا بعشرات السنين. ولكن مبدئياً ما الذي يمنع من التطبيق الصارم لأنظمة التتبع الإلكتروني لم صادر الشراء والبيع، وجذور الأسماء العائليّة؟
نعم لا ينبغي أن نعتبر بسلوك وصمت عامة الناس فهم لا يضجون، ولا يشتكون طالما ظل سوق المقامرة يقدم بعض المكاسب، ويحافظ على خيط الرجاء والأمل عندما يأخذ باليمين ويعطي بالشمال، والناس بطبعهم يتقبّلون الخسارة طالما السوق في ارتفاع فكلٌ يمني نفسه بالتعويض، ولكن حينما تحصل الهزّات العنيفة للمؤشر بفعل متغيرات السوق الطبيعية أو المصطنعة فسيكون السلوك الجمعي هائجاً بلا رشد، وقد رصدنا جميعاً حالات مؤلمة وقت انهيار عام 2006م.. ليتنا نعتبر!!
نقلا عن الرياض