قبل أسبوعين طالعتنا إحدى الصحف بخبر صادر عن أمانة مكة المكرمة، مفاده أن الأمانة تخطط لإنشاء جامعة أهلية في الطريق بين مكة المكرمة ومدينة جدة على مساحة بضعة ملايين من الأمتار التابعة للأمانة وبتكلفة اثني بليون ريال، على نظام BOT، أي بناء وتشغيل، وبعد فترة خمسة وعشرين عاما إعادة المشروع إلى أملاك ومشاريع الأمانة. وترغب الأمانة في طرح المشروع على القطاع الأهلي بعد انتهاء الدراسات الاقتصادية والفنية. والحقيقة لقد استوقفني الخبر وحماس ناشر الخبر وهو وكيل أمين العاصمة المقدسة مكة المكرمة، وأشكر له ولزملائه بعد نظرهم للاستثمار في التعليم بصفة عامة والتعليم الجامعي بصفة خاصة في الوقت الذي تتجاهل بعض أمانات المدن هذا النوع من الاستثمار، ودون الدخول بسرد الأمثلة لبعض الأمانات أعود إلى الخبر وصاحبه ولن أعمل على إضعاف حماسه، بل أشد من أزره مؤيداً للفكرة وللتوجه المبني على الاحتياج الفعلي إلى تعليم جامعي بجودة متميزة يربط التعليم الجامعي باحتياجات سوق العمل من حيث التخصصات ويربط التعليم بالتدريب لتأهيل الخريجين للعمل مباشرة.
ومنطلقاً من أمانة الرأي وتقديم المشورة وبناء على الخبرة السابقة في إنشاء كليات وجامعة أهلية، أقدم رأيا صادقا وأمينا لأصحاب الفكرة طالباً منهم أولاً ألا يعتمدوا على نتائج الدراسات الاقتصادية النظرية، وعليهم دراسة الواقع التطبيقي وأخذ المعلومات الحقيقية من أصحاب التجارب ومن المشاريع القائمة على أرض الواقع. وأبدأ تحليلي للمشروع بسؤال أمانة مكة المكرمة: ما الهدف من المشروع؟ إذا كان الهدف تنمويا تعليميا إنسانيا اجتماعيا، فالمشروع ناجح وسيحقق هذه الأهداف بدون الدخول في التفاصيل. وإذا كان المشروع هدفه اقتصادي فعلى الأمانة والقائمين على الدراسة إعادة النظر في الأرقام التي بني على أساسها المشروع خلال مدة الاستثمار. فكما صرحت الأمانة بأن تكلفة المشروع ألفي بليون على أرض مؤجرة لفترة حوالي خمسة وعشرين عاماً، والمعادلة توضح أن تغطية التكاليف تتوقع ثمانين مليون ريال دخلاً سنوياً، وبافتراض أن فترة السماح للسداد خمس سنوات، فإن البدء في العمل والدراسة الفعلية سيكونان في بداية العشرين عاما المتبقية، أي يتطلب سداد مئة مليون ريال سنوياً لسداد التكاليف الإنشائية والتشغيلية خلال عشرين عاما. ويبقى السؤال المهم أين عوائد الاستثمار على المستثمرين خلال عشرين عاما؟ ومن سيخاطر بأمواله في مشروع فترة الاسترداد فيه عشرون عاما. ومهما قيل بعد هذا التحليل البسيط والمبسط للقارئ يدخل في دائرة الأحلام في الأرقام. وإذا جاز لي أن أشارك بالرأي فإنني سأطالب الأمانة في مكة المكرمة بتعديل بعض الشروط وبعض المسارات التعليمية التي ستدفع باقتصاديات المشروع للنجاح، وعلى رأس هذه الشروط هي مطالبة أمانة مكة المكرمة بتأجير الأرض لشركة الجامعة الجديدة بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 87 بتاريخ 06 /04 /1423هـ الخاص بتأجير الجامعات والكليات الجامعية أراضي حكومية بأسعار رمزية طيلة فترة تشغيل الجامعة والكلية، أي أن إيجار الأرض رمزي ومرتبط بفترة تشغيل الجامعة وليس بمدة عشرين أو خمسة وعشرين عاماً، وهذا أهم شرط لنجاح أي مشروع تعليمي جامعي وهو توافر الأراضي اللازمة بسعر تشجيعي. أما الاقتراح الثاني فهو توجيه هذه الجامعة إلى تخصصات يحتاجها سوق العمل، وأهم تخصصات مطلوبة حالاً ومستقبلاً وعلى مر السنين هي تخصصات الطب والعلوم الطبية والهندسة والضيافة (الفندقة والسياحة) بأنواعها. حيث صرح وزير التعليم العالي بأن هناك عجزا لحوالي أربعين ألف وظيفة طبية ومئة وتسعين ألف وظيفة مهندس. وهذا يؤكد الرأي بأن تكون الجامعة علمية متخصصة في الطب والعلوم الطبية والهندسة بأنواعها ويضاف لها مستشفى جامعي لخدمة كلية الطب وطلبتها ويُشغل بطريقة اقتصادية لخدمة المرضى من خارج الجامعة، وذلك لتغطية جزء من التكاليف ورفع مستوى اقتصاديات التشغيل للجامعة، أما تخصص الضيافة فهو تخصص له احتياج أزلي لا نهاية له حيث أصبحت الضيافة هي أساس خدمة الحجاج والمعتمرين والزائرين. واقتراحي الثالث على الأمانة هو العمل على تطوير الأراضي المخصصة لإنشاء الجامعة وتجهيز البنية التحتية لها من طرق وكهرباء وماء ومجار وسفلتة، وذلك لتخفيض تكلفة المشروع ودعم اقتصادياته.
أما الاقتراح الثالث، فهو الطلب من هيئة سوق المال ووزارة التجارة السماح بإنشاء شركات مساهمة للتعليم الجامعي، لأن هيئة سوق المال ترفض السماح بإنشاء أو تحويل المؤسسات التعليمية الجامعية إلى شركات مساهمة عامة لأسباب غير منطقية، متمنياً على الإدارة الجديدة إعادة النظر في القرار السابق والسماح للمؤسسات الجامعية بالتحول إلى شركات مساهمة لأن الجامعات الأهلية تحتاج إلى استثمارات كبيرة جداً، وعلى رأس هذه الاستثمارات شراء الأراضي اللازمة لإنشاء الكليات الجامعية حسب شروط وزارة التعليم العالي، مع ضرورة تخصيص مساحة أربعين ألف متر مربع لكل كلية. وإن فكرة إنشاء شركات مساهمة للتعليم الجامعي هي ـ من وجهة نظري ـ أهم من فكرة إنشاء شركات مساهمة لإنشاء مصنع بتروكيميكال أو التخصصات التجارية أو الخدمية الأخرى، وأجزم بأن العائد الاقتصادي للشركات التعليمية المساهمة متوافر، وأن التوسعات المبنية على تمويل من الشركاء في الشركات المساهمة أكثر فائدة اقتصادية من التمويل البنكي الإسلامي أو التجاري. وإذا كان التخوف من اقتصاديات التشغيل، فالنتائج قبل التحول إلى مساهمة هي المؤشر الأساسي، لأن التحول إلى مساهمة عادة له شروط، ومن أهمها النتائج الربحية الإيجابية لسنوات ماضية. كما أن الشركات المساهمة قد تكون قادرة على توفير الضمانات البنكية التي تطلبها وزارة المالية بقيمة القرض ولمدة القرض وضمانات الأراضي إذا كانت مملوكة، أما إذا كانت مؤجرة من وزارة أخرى فهي مرفوضة حسب عرف وزارة المالية. إن فكرة أمانة العاصمة المقدسة فكرة رائعة ومتميزة شريطة الأخذ بالاعتبار أن المشروع هدفه تنموي يخدم التنمية في العاصمة المقدسة وليس هدفه اقتصاديا لضمان دخل للأمانة فقط. وقد يكون للمشروع أثر إيجابي على ارتفاع أسعار أراضي الأمانة المجاورة للمشروع، وإن إقامة هذا المشروع الطبي والهندسي سيجذب عمالقة العلم من دكاترة مسلمين من مختلف أنحاء العالم رغبة في الجوار. آمل أن تحظى هذه الاقتراحات باهتمام المخططين لمشروع الجامعة الأهلية بمكة المكرمة آخذين في الاعتبار أن مشاريع شركات الأمانات أنشئت للتنمية وليست للمتاجرة بالأراضي.
نقلا عن الوطن