من المشكلات الكبرى أن يكون لنظام التعليم أهداف غير «تعليمية»، وأن يتخذ من الطلاب وسيلة لتحقيق هذه الأهداف. كان الفيلسوف الأمريكي جون ديوي يرى أن هدف التعليم الوحيد يجب أن يكون ضمان التعليم للكل واستمراره لا أن تكون له أهداف مقررة ومسبقة.
من المعروف أن نظام التعليم لدينا ذو أهداف مسبقة ومقررة، وكثيرا ما يتباهى بها. بصرف النظر عن محتواها الآن إلا أنه من الظلم للطالب وخصوصا الطفل الصغير أن يكون أداة لتجسيد أهداف التعليم التي ليست هي ذاتها أهداف الطالب الحقيقية. إن هذا يذكرني بذلك الأب الذي يتباهى بأن ابنه المطيع ينفذ كل الأوامر ويحقق أمله فيه! وكأن الابن مجرد وعاء أو وسيلة لا كينونة حرة ومستقلة ذات أهداف مختلفة عن كل آخر.
حينما يحشى رأس الطالب بأهداف ليست له ولا من اختياره فإنه سيكون ضحية وسيكون نظام التعليم هو الجاني. فما بالك والأهداف هذه التي يملأ بها رأسه هي أهداف غير واقعية في أغلبها وغير عملية: أي إنها ليست مقتبسة من واقع الطالب نفسه، بل هي تعليمات قررها أشخاص معينون فيها بعض الاجتهادات والتأويلات التي لا تناسب العصر، ناهيك عن الميول والأهواء الايديولوجية لهؤلاء «الأشخاص» الذين لا يهمهم الطالب إلا بالقدر الذي يحقق فيه أهدافهم.
يجب أن نغير تصورنا للتعليم، فهو لم يعد كالسابق حشوا للمعلومات وتدريبا للطلاب على اتخاذ نمط حياة غير مناسب لهم. المعلومة أصبحت اليوم ملكا مشاعا لكل أحد. المهم الآن هو المهارات التي تلائم كل طالب وتهيئه للمستقبل. والأهم هو إفساح المجال للطالب لكي يختبر نفسه وقدراته ويعرف حقيقته، ولكي يتربى على معنى «الاختيار».
إن تصورنا للتعليم ينبغي ــ لتحسينه ـ أن يترافق مع تغيير مفهومنا للطالب من الأساس. الطالب ( والطفل تحديدا) كينونة مستقلة عن أبويه أولا ، وعن مدرسيه ثانيا. إن التعامل معه على هذا الأساس سيكون هو الطريق الأسلم لكشف حقيقته والتعرف على شخصيته. الاستقلال هو المعنى العميق للشخصية، وأي إهدار له فهو تمزيق للشخصية ذاتها. إن من طبيعة الإنسان أن يكون حرا، وكل أهداف أو تعاليم تتجاهل هذه الطبيعة أو تعارضها فمن الأجدى التخلي عنها.
اطلعت على أهداف نظام التعليم عندنا ولم يشر إلى مفهوم الحرية ولا الاستقلال ولا الفردية. وكل مرة يذكر فيها «الفرد» يكون مقترنا مع «الأمة»، وهذا يؤكد على خطورة الموقف وعدم الوعي بإشكالية أن يكون الفرد مجرد أداة لتحقيق الأهداف الكلية. ورغم أن بعض الأهداف في ظاهرها قد تكون مقبولة إلا أنها في واد وحياة الطالب في واد آخر. العكس هو ما يجب أن يحدث: أن يكون التعليم في خدمة الطالب لا أن يكون الطالب في خدمة التعليم وأهدافه..
أما على الجانب التطبيقي فالوضع أسوأ. ولا أظنني أحتاج إلى الإيضاح. فالحياة اليومية في المدرسة أشبه بمعركة ضارية بين المعلمين من جهة والطلاب من جهة أخرى. وأيضا بين الطلاب فيما بينهم . في هذه المعركة الخاسر الأكبر هو «الشخصية» وقدراتها التي تضيع يوما تلو يوم.
نقلا عن عكاظ