تمر الدول العربية وخاصة المملكة بما يُسمى في الدراسات السكانية بـ 'النافذة الديموغرافية'، وتعني باختصار ارتفاع نسبة الشباب من جهة وانخفاض تدريجي في نسب صغار السن من جهة أخرى، ويحدث ذلك كله بسبب اتجاه معدل الخصوبة نحو الانخفاض التدريجي. وإذا أمكن استثمار 'طفرة الشباب' وتشغيلهم والاستفادة منهم في دفع عجلة التنمية والمشاركة في فعالياتها، خاصة مع انخفاض معدلات الإعالة، فإن بالإمكان زيادة معدلات الادخار للمستقبل.
إذن يمثل الشباب فئة كبيرة في التركيب العمري في المملكة تصل إلى قرابة (30 في المائة)، ما يعني ضرورة رعايتهم وإعدادهم الإعداد الصحيح! والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا قدمنا للشباب؟! وهل نحن نقدم لهم الرعاية المناسبة؟! الإجابة المنصفة الصريحة هي بالنفي!
ما يُقدم للشباب - في حقيقة الأمر - هو مقتصر على فئة قليلة جداً، هي فئة اللاعبين الرياضيين الذين استطاعوا الوصول إلى النوادي الرياضية فقط. أما البقية الباقية من الشباب (وهم الأغلبية) لا يجدون حتى الأماكن المناسبة لممارسة كرة القدم، ما يدفعهم للتسلل إلى أراض بيضاء مهجورة في الحي أو قريب منه، تكون في أغلب الأحياء غير مهيأة لممارسة هذا النوع من الرياضة. هذا الملعب الترابي غير المهيأ لا يحتوي على دورات مياه، ولا أماكن للجلوس والراحة! وأهم من ذلك لا يوجد له إدارة أو قيادة تقدم التوجيه المناسب الذي يحافظ على الالتزام بالسلوك السليم ويمنع الاحتكاك أو العنف بين الشباب!
هذا الملعب وأمثاله يمكن أن يقدم خدماته (هل أنا قلت خدماته؟!). نعم يقدم خدماته لعدد محدود من الشباب لا يتجاوز 50 أو 60 شاباً على أكثر تقدير. وماذا عن البقية؟! إنهم يجوبون الشوارع ويذهبون للأسواق لقضاء وقت الفراغ! لا مكتبة عامة تفتح أبوابها لهم، ولا معامل للحاسب، ولا مركز لتنمية الهوايات، ولا نادي للشعر والأدب، ولا نادي للعلم والابتكار، باختصار (لا شي!)، علاوة على غياب دور الأب المنشغل بأمور الحياة وملاهيها في معظم الأحيان.
إذا كان الحال كذلك، فلماذا نلوم الشباب على سلوكياتهم وتهورهم و'تفحيطهم' وتقليعاتهم التي تتجاوز قيم المجتمع في بعض الأحيان؟!
على الرغم من تأسيس الرئاسة العامة لرعاية الشباب منذ عقود، فإنها لم تقدم إلا القليل في مجال رعاية الشباب! ما تقدمه هو رعاية الرياضة في أماكن محدودة جداً وبدون تخطيط يذكر! لا أعتقد أنها فكرت يوماً ما في رعاية الشباب! إذا كان خلاف ذلك، أين استراتيجيتها لرعاية الشباب؟! وأين دراساتها وما خططها لإنشاء النوادي الرياضية، دع عنا النوادي الأدبية أو العلمية التي لا تدخل في قاموس الرئاسة أبداً؟! لا أعتقد أنها تخطط لإنشاء النوادي مسبقاً، بل تعتمد على مطالبات الأهالي (والوجاهات) لإنشاء ناد في قرية أو حي معين دون خطة مسبقة لدى الرئاسة! أكاد أجزم أنها لم تطرق باب قرية أو حي معين لتبشرهم عن خطتها بإنشاء ناد رياضي أو ثقافي أو علمي! ونتيجة لذلك يعاني الشباب تدني الخدمات المقدمة لهم، ويفتقرون إلى الرعاية المناسبة التي تسهم في اكتشاف مهاراتهم وصقلها أو تلك الخدمات التي ترفه عنهم فيما ينفعهم ولا يضرهم، ناهيك عن الشباب في المناطق الريفية الذين هم في أمس الحاجة لأنشطة الرياضة والترفية والثقافة.
ختاما: إذا كان ما نقدم لشبابنا بهذا المستوى المتدني، فلا ينبغي أن نلومهم والعيب فينا نحن، بل ينبغي أن نصلح الخلل ونقدم الخدمات المناسبة لهم، ثم نحاسبهم ونلومهم على التقصير، والسلام!
نقلا عن الاقتصادية