هناك الكثير من المفاهيم التي تتناول تعريف "جودة الحياة", بعضها يركّز على سهولة الوصول للخدمات والمرافق, وبعضها على الترفيه والحياة الصحية, غير أن العمود الفقري لأي جودة حياة يجب أن يبدأ من التخطيط الحضري الإنساني للمدينة, وهي ما تفتقده معظم المخططات للأحياء الحالية والجديدة في مدن المملكة.

خلال العقود الماضية توسعت مدننا بشكل سريع, إذ تركز الاهتمام على بناء كتل إسمنتية ضخمة متراصة, دون اهتمام بالجانب الإنساني, فتضخمت مساحة المتر المربع المخصصة لكل شخص حتى فاق التوسع الأفقي للأحياء السكنية التوسع الرأسي للمدينة, فأضحى الوصول إلى أي خدمة أو حتى المسجد يحتاج ركوب السيارة في كل مرة, بينما تفترض أدبيات التخطيط الحضري ألا تزيد المسافة بين السكن وبين المرافق أكثر من 700 متر مربع, مما يجعلها قابلة للوصول مشياً, وهو ما تجده حاضراً في المدن التي تتربع على قوائم أفضل المدن في المعيشة.

التوسع المتسارع أدى أيضاً لضعف الخدمات والمرافق, وكذلك تراجع التواصل بين أبناء الحي الواحد, وتقلصت مشروعات جودة الحياة لأن تكون مجرد حديقة ذات أسوار, بلا فعاليات ولا تواصل حقيقي مع المجتمع المحيط, أو ممشى خارج النطاق العمراني! بينما يفترض أن يكون الممشى جزءاً أصيلاً من مخطط الحي, عبره ينتقل الأطفال إلى مدارسهم, ويصل الشباب إلى ملاعبهم, بل يجب أن يكون هو منطلق تخطيط الشوارع وليس تخطيطها لعبور السيارات فقط.

أحد أعمدة رؤية 2030 هو برنامج جودة الحياة, الذي يعنى بتحسين نمط حياة الفرد والأسرة والمجتمع, من خلال توفير وتهيئة بيئة داعمة ومتفاعلة مع المواطن والمقيم, ومعززة لمشاركتهم في مختلف الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية, وأحد أهم الأهداف الرئيسية للبرنامج هو الوصول بثلاث مدن سعودية إلى قوائم أفضل مدن العالم, وهو هدفٌ طموح لن يتحقق إلا بتطوير المخطط الحضري لتلك المدن, مما يجعلني أحلم أن يتوسع ذلك الهدف ليكون تطوير معايير المشهد الحضري في مدننا-الكبيرة على الأقل- هدفاً يؤدي تحقيق أجزاء منه لتحسين جودة حياة قاطنيها بشكل لافت, لأننا متى طبقنا معايير جودة الحياة في اعتماد وتطوير المخططات الجديدة وحتى تطوير الحالية منها؛ حتما سوف يتحسن مستوى نمط الحياة, وهو ما حدث سابقاً في مدن كثيرة, بعضها يشبه أجواء المملكة الحارة كما في مدن الجنوب الأميركي, وبعضها بارد كما في أمستردام أو كوبنهاجن التي يمكن استلهام تجاربهم في أبها والباحة مثلاً.

آمل ألا نستهلك مبادرتنا في برامج وفعاليات وقتية تنتهي بانتهائها, دون العمل الحقيقي على تطوير البيئة المحيطة, وخلق بيئة عمرانية متفاعلة, وجعلها مساندة دائمة لتحسين جودة الحياة, ناهيك عن تحويلها إلى بيئة محفزة لابتكار واستمرار برامج وفعاليات جودة الحياة من المنظور الفردي وليس فقط الجماعي.

نقلا عن الرياض