یخطئ البعض في ذكر المثل القائل «سبق السیف العذل» ویستبدلون كلمة العذل بكلمة العدل، فالعذلً یعني اللوم الذي یعني الانتقاد والتوبیخ لشخص أتى بعمل لیس محمودا أو أخطأ باتخاذ القرار فیھ، وكثرةاللوم ضارة والقلیل منھ لا بأس بھ للتنبیھ والتنویھ على ما قد حصل لأن الأصل في اللوم أنھ یشعل القلبویولع الفؤاد إن كان بین محبوبین صار بینھما تباعد كما حصل مع ابن زریق البغدادي صاحب القصیدةً الیتیمة التي لم یقل غیرھا ووجدت بجواره عندما مات في أرض الأندلس بعیدا عن زوجتھ التي في بغدادویحبھا وتحبھ ونصحتھ ألا یترك بغداد فسافر وتركھا تتلوى من ألم الشوق وتتعارك مع النفس من وجعالفراق فقست علیھ الحیاة وأدركھ المرض وألم بھ من كل جانب فقال قصیدتھ التي وجدت بجواره عند:موتھ مخاطبًا زوجتھ
لا تعذلیھ فان العذل یولعھ
قد قلت حقًا لكن لیس یسمعھ
ً جاوزت لومھ حدا أضر بھ
من حیث قدرت أن اللوم ینفعھ
ً فاستعملي الرفق في تأنیبھ بدلا
من عذلھ فھو مضنى القلب موجعھ
ً قد كان مضطلعا بالخطب یحملھ
فضیقت بخطوب الدھر أضلعھ
یكفیھ من لوعة التشتیت أن لھمن النوى كل یوم ما یروعھ
ان الحب نعمة من نعم الله على المحبین ولوم المحب في ھوى حبیبتھ أشد ضراوة على المرء من وقعالحسام المھنَّد،
وقد قال أحدھم «لا تلوموني في ھواھا.. أنا قلبي ما یعشق سواھا»، والحب للحبیب یعنيالإخلاص لھ والتعلق بھ وما یغني أحد عنھ سواه ولیس لھ نائب فاعل ولا یعرف التعدد ولا یقبل القسمةعلى اثنین. وما ابتلي أحد بأشد من الحب الصادق ولذلك ھو عملة نادرة ذات قیمة عالیة نفتقدھا في زمنالغش والسوشیال میدیا وجفاف الروح والقلب والمصالح المادیة وحب الذات وتطرف النفس. إن الحبالصادق الذي مبعثھ القلب بین اثنین: الاقتصاد فیھ مرض، والمحاسبة لھ ھلاك، والقانون بینھما مرفوض،والأحیاء عندھما تعني الحیاة، والكیمیاء بینھما تفاعل، والفیزیاء لدیھما طاقة، والطب علامتھ صحة قلب،والآداب عنوانھا احترام وأدب، والشعر تمثلھ عواطف ومشاعر، فلیس ھناك في الوجود مثلھ -أي مثلً الحب الصادق- ولو لم یكن على الأرض موجودا لاخترعناه كما قال نزار قباني.. ویبقى السؤال غیرالواقعي الذي یوصل الى نتیجة غیر واقعیة ویتفلسف فیھ البعض منادین بعدم ضرورة الحب الصادقلإعمار البیوت، وھو ھل ضروري أن تبنى البیوت على الحب؟ نعم ضروري أن تبنى البیوت علىالحب.. إن البیوت التي تخلو من الحب ووجود المحبین فیھا بیوت أوھن من بیوت العنكبوت لأن الحبیعني التماسك الروحي والتلاقي النفسي والتشابك الھرموني الذي ینتج أسرة اجتماعیة فاعلة ھي مصنعللقلوب التي تتدفق منھا المشاعر والأشواق وتنساب عنھا العواطف واللطائف، وما تفاعل ابن زریق معزوجتھ وھو یبعد عنھا آلاف الكیلومترات إلا لأنھ یحمل قلبًا ممتلئاً بأنھار من الحب والعشق وبین ثنایاهً روح تفیض ھیاما وشوقًا وھي نفس الحال التي علیھا معشوقتھ وزوجتھ في بغداد طوال فراقھ وسفره،ٌ وھو وضع یرثى لھ عبرت عنھ الأبیات الشعریة التي ذكرتھا في أعلى المقال.. فاللھم اجبر قلوبً المفترقین بالتقارب واجمع قلوب المحبین بالتلاقي دوم ً ا وأبدا ولا تباعد بینھما فیكون العذل والولع واللوم والوجع
نقلا عن صحيفة المدينة