يلجأ بعض الهُواة للهياط وجمع ميراث أساطير صالحة للرواية في مجالس الدلال وشحم الرخال وتدسيم اللحى والشوارب بالزفر لإثبات عراقة هوية فرعية لأسلاف وخلوف وهميين ولا بطولة لهم إلا في المسلسلات الدرامية والمسرحيات الفنتازية.
لا ترفع الأوطان رؤوسها بالجهلة والمتخلفين والمتعصبين، فليس الفتى من قال (كان أبي). ويُروى أن زعيماً عربياً حضر مناسبة دينية بمسجد تاريخي، ولاحظ إسهاب المتحدثين في الاستشهاد بأقوال السلف، ومنها (قال شيخ الإسلام. قال إمام الحرمين. قال حُجة المحدثين. قال صفوة الربانيين)، وعندما طلبوا منه إلقاء كلمة سألهم «لماذا فقرات حفلتكم كلها استشهادات واستحضار لأقوال الأموات، أنتم ماذا قُلتم»؟!
يبدو أن تقييم بعضنا لبعضنا اعتراه ما يعتري بعضا من الحقائق والمبادئ من تلبيس وتدليس، فيكيل البعض المديح والإطراء لمن توفر عنده مال أو نجابة عيال أو كثرة حلال، أو ادعاء صلاح وتلبس بالاستقامة دون تقييم لدوره الوطني وحسه الإنساني ومنجزه الحضاري وخدمته لمجتمعه.
كم من المحترفين اليوم في المختبرات والمعامل لتوفير العلاج المناسب والدواء الناجع لفايروس كورونا وكأنهم يتمثلون قول المصطفى عليه السلام (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها). لم يتوقفوا عن العمل ولم يهابوا الموت ولم يذعنوا للخطر بالبقاء في بيوتهم.
ومن الأمثلة لاحتراف الانتماء للوطن هذه المنجزات لأبطال الجبهات الساخنة من جنودنا البواسل وقواتنا المسلحة ورجال النيابة والأمن والقضاء وفرق الصحة من أطباء وطبيبات وأخصائيين وأخصائيات وفنيين وفنيات وممرضين وممرضات وإداريين وإداريات ممن هم في الصف الأمامي لمواجهة أعداء الوطن في الداخل والخارج والمتصدين بصدور مفتوحة للوباء.
لمحترفي الوطنية وعشاق الكيان السعودي بياض الوجه، واعتزاز الوطن، ودعاء الأمهات، وفخر الآباء والأبناء والبنات. وتقدير القيادة، وتبجيل الإعلام، وكل العرفان لهذه السواعد الوطنية المستحقة بجدارة أن تتبوأ الصف الأمامي.
من النقص أن نضع في صدور المجالس الحكائين، ونتجاهل أو نغفل الشخصيات الوطنية المنتجة والمتفاعلة بحُب مع وطننا، فالفخر ليس بباعة الكلام ولا المتاجرين بالمبادئ، ولا ملاحقي الفلاشات ولا المهياطين بالولائم ومبتدعي صب السمن فوق الكفوف النهمة.
الوطنية تتجلى في الزمن العصيب والمنعطفات الصعبة، فبيننا نماذج نذرت نفسها للدفاع عن الوطن وحماية المكتسبات ورعاية وحماية المجتمع ممن صدقوا وصدقن ما عاهدوا الله عليه، وتمثلوا معنى مملكة الإنسانية وصححوا صورة السعوديين بالعلم والإبداع والمنجزات (علماء وأطباء وطبيبات)، أسهموا بدور مشرف مع دول العالم الأول في مكافحة كورونا، أولئك هم الوطنيون المحترفون حقاً.
* كاتب سعودي
نقلا عن عكاظ