مما لا شك فيه أن وجود المستشارين في المؤسسات والهيئات يعد ضرورة مهنيّة وإداريّة ولكن قد تتحول هذه الضرورة إلى ضرر يصعب علاج آثاره. والأصل أن المستشار يُستقطب للإسهام في ضخ الأفكار والمبادرات وطرح الرؤى من خارج صناديق التحوط الفكري الذي تأسست عليها الإدارة. والمستشار هنا (يُفترض) أن ينجو بنفسه عن أولئك المنغمسين في ملفات البيروقراطيّة وحراسة تقاليد النظام الإداري حتى لا يفقد حيويته وبريق موهبته التي أهلته لوظيفة المستشار.

والمستشارون يأتون إلى المؤسسات – في الغالب- من ثلاثة أبواب: الأول منها باب الكفاءة والتفرّد العلمي والمهني، أما النوع الثاني من المستشارين فياتي من باب «الشلّة والجماعة» وهذا الصنف آفة الإدارة ومطافئ حظها وسمعتها، أما الصنف الثالث من المستشارين فيأتي عادة من باب «التهميش والركن» وهذا النمط عادة ما يجد نفسه بين أحوال التربص والانتقام أو الاستسلام «والتبصيم» على كل ما يحال إليه.

وهنا سيتمحور المقال حول الأسباب المحتملة لفشل المستشار الكفء الذي استقطبته الإدارة لتفرّده ومهاراته. ولعل أول مقدمات فشل المستشار الكفء تبدأ مع عدم يقظته لدوره الحقيقي ومن ثم انغماسه في تناقضات أقطاب الجهاز الإداري وصراعات المصالح الصغيرة والكبيرة. إذا لم ينتبه فسيجد سعادة المستشار نفسه وقد سخّر موهبته وخبراته في التبرير هنا والاعتذار هناك والاصطفاف مرة هنا وأخرى هناك.

ويأتي فشل المستشار الكفء أيضاً من تحوّل نشاطه وخدماته المحددة في المؤسسة والتي يُفترض – أنه كمحترف – منشغل بها، إلى الانضمام إلى سباق (هجن) التطلعات والطموحات في منصب أو مغنم مدفوعاً بما لاح له من إغراءات حرفت مساره. ويأتي ضمن أبرز عوامل فشل سعادة المستشار الكفء إهماله أمانة الانتصار للإبداع والتطوير والحلول إلى تسخير جهوده لإيجاد مكان يقرّبه من «مركز» تكتلات القرار الرسمي وشبه الرسمي مدفوعاً بنفس ضعُفت وأهداف انحرفت.

ومن أبرز مظاهر فشل المستشار الكفء هو موافقته على القيام بمهام لا يتقنها أو ليست من مناطق قوته. واقع الحال يقول إن هناك مستشارين مفكرين يقدمون مبادرات استراتيجيّة وأفكاراً عبقريّة، وهناك مستشارون مخططون رائعون، وهناك مستشارون يملكون موهبة متابعة التنفيذ وتدقيق التفاصيل صغيرها وكبيرها. أما الفشل الأكبر فهو أن يناديك الجميع «سعادة المستشار» وأنت لا في العير ولا في النفير.

  • قال ومضى:

معدن «المستشار المؤتمن» نفيس لا يقدّر بثمن.