وجه الرئيس السيسي، خلال لقائه الأربعاء الماضى بوزراء الإعلام العرب، عدة رسائل كاشفة وفى غاية الأهمية، لما ينبغى أن يقوم به الإعلام العربى، فى هذه المرحلة الدقيقة والفاصلة التى تمر بها المنطقة العربية، وسط عالم مضطرب وملتهب، مملوء بالصراعات والاستقطابات.
الرسالة الأولى: إيمان مصر بأهمية الدور الإستراتيجى للإعلام فى مساندة جهود الدول لتحقيق الاستقرار والتنمية، وذلك من خلال تناول القضايا الوطنية، وتعميق الوعي لدى الشعوب.
والثانية: وحدة الشواغل والتحديات المشتركة التى تواجه العالم العربى، الأمر الذى يستدعى قيام الإعلام العربى بالتحدث بلغة واحدة، تساعد على مواجهة تلك التحديات.
والثالثة: أن يتم طرح القضايا المختلفة بشكل عميق وموضوعى ومدعوم بالحقائق، من أجل البناء الواقعى والصحيح للعقل الجمعى والوجدان العربى.
والرسالة الرابعة: أن الكلمة من الإعلام هى أمانة ومسئولية كبيرة أمام الشعوب.
والرسالة الخامسة: مكافحة الفكر المتطرف، وخطاب الكراهية والتحريض الذى تتعرض له مختلف الشعوب العربية، لأن الهدم لم ولن يكون رسالة حضارية.
والسادسة: أن القيم الدينية لا تُقام على أنقاض الخراب والتدمير، لأن رسالة الدين هى البناء والتعمير والسلام والتنمية، وهو الأمر الذى لن يتحقق إلا بتوفير الأمن والاستقرار السياسى والمعنوى للشعوب فى إطار مجال حضارى آمن.
ولكى تتحول رسائل الرئيس إلى واقع ملموس، نراه ونشاهده عبر الفضائيات، ونقرأه فى الصحف والمجلات والمواقع الإخبارية
فى عالمنا العربى، ونحن نعيش عصر الإعلام الرقمى، وصحافة المواطن، التى تغزو منصات التواصل الاجتماعى "فيسبوك – واتس آب - تويتر - إنستجرام" وغيرها، يجب أن يبادر القائمون على وسائل الإعلام بتطوير أنفسهم، وعرض الحقائق بكل تجرد وموضوعية، وإعطاء الأولوية للجانب المشرق، خاصة الإنجازات التى تشهدها بعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر، فى مختلف المجالات، حتى يطمئن المواطن على مستقبله، ويشاهد ويرى ويقرأ ما تشهده دولته من بناء وتعمير وتطوير وتنوير فى مختلف أوجه الحياة.
وإذا كانت الكلمة من الإعلام هى أمانة ومسئولية كبيرة أمام الشعوب، كما يراها الرئيس السيسي، فإنه يجب الاتزان فى طرح القضايا المختلفة، والابتعاد عن تشويه الحقائق والإنجازات والفبركة وممارسة التضليل الإعلامى، لأن الموضوعية والمصداقية فى الإعلام مثل قيم الصدق والأمانة فى الحياة العامة، ومن هنا يجب عدم إبداء القائم بالاتصال رأيه الشخصى فى الأخبار التى يتناولها، وإذا كانت تحتاج إلى تحليل أو توضيح، عليه الاستعانة بالخبراء والمتخصصين، حتى لا يثير البلبلة واللغط حول خبر معين.
باختصار، نريد إعلامًا عربيًا، يكون لعالمنا العربى، فى هذا التوقيت الحرِج والدقيق، بمثابة طوق النجاة، يعمل على زرع الثقة
بين الأنظمة القائمة، يبرز جوانب الاتفاق، لا يزكى ويشعل النار فى الخلافات، ولكن يجب أن يقوم بدور رجل الإطفاء فى أوقات الخلاف، ويعمل بكل ما أوتى من قوة على ترسيخ وتعزيز قدرات الدول العربية، بإعلاء قيم التسامح والتراحم بين أبناء الوطن الواحد، واللغة الواحدة.
كما يجب أن يقوم الإعلام العربى، فى هذه المرحلة الحرجة، بتوعية الشعوب بالتحديات والمخاطر، التى تواجهها الدولة العربية، لأن استعادة الدول العربية التى تعانى من الصراعات المسلحة، وعودتها كقوى داعمة للوحدة العربية أمر فى غاية الأهمية؛ لأنه تحدٍّ وجودى للعرب، لأن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الأمن القومى لأى دولة عربية، مهما بلغت قوتها، والأمن القومى العربى، فكيف تعيش دولة آمنة، وهناك دول أخرى على حدودها غارقة فى الصراعات الداخلية، ومصيرها ومستقبلها بات مرتهنًا فى أيدى قوى خارجية وإقليمية، ومن هنا يقع على عاتق الإعلام مهمة صعبة جدًا فى توعية الشعوب العربية فى دول الصراعات، بضرورة نبذ الخلافات والصراعات، والانصهار فى بوتقة الدولة الوطنية، بعيدًا عن التحزب والطائفية البغيضة.
ولتحقيق ذلك، يجب المبادرة بصناعة محتوى إعلامى جديد ومبتكر، وفق إستراتيجية إعلامية، عنوانها وطن عربى جديد، خالٍ من الأجندات السياسية والدينية والطائفية، وطن عربى يحترم سيادة الدول وحق شعوبها فى تقرير مصيرها، بدون تدخل من دولة فى شئون دولة عربية أخرى، وطن عربى متكامل دفاعيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وطن عربى قادر على مخاطبة الرأى العام العالمى والوصول إليه بشكل مباشر وفعال.
ولْتكن البداية بقناة عربية عالمية، تخاطب العالم بلغته، تحت مظلة جامعة الدول العربية، أو مجلس وزراء الإعلام العرب، ويكفى ما عانينا منه كعرب طوال العقود الماضية، من الماكينة الإعلامية الغربية، ويكفى ما عانيناه من الإعلام الجديد فى ثورات الخراب العربى.
ولكى نصنع محتوًى إعلاميًا، يواجه تحديات العصر الرقمى، يجب تمكين شباب الإعلاميين، وتدريبهم وصقل مهاراتهم وقدراتهم, لأن الشباب يشكل ما نسبته 70% من غالبية المجتمعات العربية، كما أنهم هم الأقدر والأكفأ فى التعامل مع الإعلام الرقمى، وهم أيضا الفئة الأكثر استهدافًا من قبل الرسائل الإعلامية المعادية أو الموجهة للعالم العربى.
وقبل كل شيء، يجب أن يكون للإستراتيجية الإعلامية العربية أهداف شاملة ودائمة ورؤية مستقبلية، ولا تكون قائمة على أهداف مؤقتة، خاصة أن قصور الفكر الإستراتيجى فى العالم العربى لم يمكننا منذ عقود طويلة من التوصل إلى تحالف أو اتحاد حقيقى، ولك أنت تتخيل معى كأى مواطن عربى، لو تمكنا كعرب منذ 50 عاما من إقامة تكامل أو تحالف أو اتحاد إستراتيجى، على غرار الاتحاد الأوروبى، الذى يضم بين أروقته دولا شتى؛ مختلفة عقائديًا وعرقيًا ولغةً، إلا أن وجود الفكر الإستراتيجى، جعلها تنصهر فى كيان واحد، وفى عملة واحدة.
S_harby@yahoo,com
نقلا عن بوابة الاهرام المصرية