ربما نقف هذه الأيام أمام جدل منع النساء من المشاركة في انتخابات المجلس البلدي، سواء بالانتخاب أو الترشيح، وفي اعتقادي أن هذا المنع غير مبرر ويجب أن ينظر فيه في القريب العاجل، خصوصا وأننا نرى أن العالم يتغير حولنا بشكل متسارع ولم يعد هناك مجال للتسويف في مسائل إصلاحية كبيرة بحجة عدم "الاستعداد"، كما بررت ذلك وزارة الشؤون البلدية والقروية وبعض منسوبيها، فأمين المنطقة الشرقية قال قبل عدة أيام أن سبب منع النساء هو "إداري وليس شرعياً" والحقيقة أننا احترنا بين الشرعي والإداري، فعندما يكون سبب المنع شرعياً لا نفهم لماذا هو شرعي وعندما يكون إدارياً نحتار أكثر لأن الإدارة بأيدينا والانتخابات البلدية على وجه الخصوص تأخرت سنتين عن موعدها الأصلي وكان بالإمكان أن تقوم الوزارة المسؤولة عن "التخطيط العمراني" بالتخطيط للانتخابات البلدية منذ فترة طويلة، لكنه الطبع الذي يغلب على التطبع، فكالعادة تركت الأمور حتى اللحظة الأخيرة ثم صحى الجميع وقرروا أن ينجزوا أعمالاً تحتاج سنوات من التخطيط في أيام ليخرج العمل مبتسراً وناقصاً، ويفشل بعد ذلك، إذن لا غرو أن نجد كثيراً من مشاريعنا "فاشلة" لأن ثقافة التخطيط هي مجرد حبر على ورق. في اعتقادي أن مشكلة منع النساء من الانتخابات البلدية ومن غيرها من نشاطات مجتمعية وثقافية ناتجة عن "ثقافة الحريم" المترسبة في عقولنا، فنحن ما زلنا ننظر للمرأة على أنها "ناقصة عقل ودين" وأن هذا النقص يبرر لنا تنحيتها عن حقوقها الاجتماعية والسياسية، واتخاذ القرارات بدلاً عنها، رغم أن التكليف في الخطاب القرآني يؤكد على المرأة والرجل فكيف تكون مكلفة دون أن تشارك في عملية صنع القرار. أحب أن أذكر أولئك الذين ينظرون للمرأة بدونية أن العالم كله شهد لكثير من نسائنا بالتفوق والمقدرة على الإدارة والإنجاز المعرفي على كافة الأصعدة، لكننا نحن مازلنا نعيش داخل "ثقافة الحريم" التي صنعناها بأنفسنا. وزارة الشؤون البلدية والقروية تملك المقدرة "اللوجستية" على إتاحة المجال للمرأة للمشاركة في الانتخابات إذا ما أرادت ذلك لكن السبب، والله أعلم، أبعد بكثير من الأسباب الإدارية، إنها الثقافة المجتمعية المهيمنة والخوف من "المبادرة".
في اعتقادي أن مشكلة منع النساء من الانتخابات البلدية ومن غيرها من نشاطات مجتمعية وثقافية ناتجة عن «ثقافة الحريم» المترسبة في عقولنا، فنحن ما زلنا ننظر للمرأة على أنها «ناقصة عقل ودين»، وأن هذا النقص يبرر لنا تنحيتها عن حقوقها الاجتماعية والسياسية..
يجب أن نعلم هنا أن "ثقافة الحريم" لها مدلولاتها الاجتماعية العميقة لدينا فهي تمثل إشكالية على المستوى العربي قاطبة، وأذكر هنا أنني سألت طالبات الماجستير اللاتي أقوم بتدريسهن حول هذه الثقافة وقلت لهن لماذا ننتقد الرجال بأنهن "حريم" إذا شعرنا بأنهم متقاعسون، فقلن لي إن هذا ينطبق علينا كذلك فنحن نقول عن المرأة المجتهدة إنها مثل الرجال أو إنها أخت الرجال، أي أن ثقافة الحريم مترسبة في أذهان كل فئات المجتمع، رجالاً ونساء، والنظرة العامة على مستوى العالم العربي أن الرجل أفضل من المرأة، و الحقيقة أن الذكر ليس كالأنثى لكن لايعني هذا أفضلية الرجل بل الفرق بيولوجي ونفسي لكن الأفضلية تثبتها الحياة وعملنا فيها، وعندما نقلص كل مساحات المشاركة بالنسبة للمرأة ثم نقول إنها متقاعسة وإنها لا تستطيع أن تبدع فهذا ظلم عظيم. بالنسبة لي لاحظت بوادر هذا الإجحاف منذ فترة طويلة فأنا أقوم بتدريس طالبات العمارة في برنامج الماجستير منذ مطلع الألفية -أي منذ أكثر من عشرة أعوام-، وقد لاحظت أن الطالبات أكثر تفوقا في المواد النظرية من الطلاب وأكثر التزاما، ويملكن عقلية "نقدية" و"جدلية" قادرة على الإبداع في مجال ميداني ومركب مثل العمارة، لكن المشكلة تبدأ عند كتابة الرسالة التي تحتاج فيها الطالبة إلى أن تشارك في الميدان وتتداخل مع الناس ومؤسسات الدولة، لأن هناك قيوداً كبيرة على مشاركة النساء وتفاعلهن، حتى إن بعضهن كن يتحرجن من التصوير في مكان عام، لأن المجتمع يستهجن مثل هذا التصرف، وبالتالي فإن القليل منهن يأتين بعمل ميداني متميز لأنهن حرمن من ذلك.
أما ما كان مؤلما ماحدث من وزير الخدمة المدنية لشباب المهندسين السعوديين حيث يبدو أن الوزير لم يسمح لهم بمقابلته في مكتبه، فتجمعوا حوله لمناقشته وكان حديثهم راقيا وينم على عقلية متفتحة ومطالبهم عادلة، فهي تمس "كادر المهندسين" الذي ينتظرونه منذ أعوام ولم تنصفهم "هيئتهم" البائسة والمتقاعسة -وأقصد هنا هيئة المهندسين- ولم ينصفهم نظام الخدمة المدنية، رغم أننا نعاني في المملكة من نقص حاد في عدد المهندسين، الأمر الذي ينذر بكارثة لو مررنا بأي أزمة مستقبلية أو تغيرت توازنات أسواق العمل العالمية، على أن الحديث هنا ليس عن الهندسة والمهندسين، والذين لم تقم "هيئتهم" حتى هذه الساعة بتوجيه أي نقد لوزير الخدمة المدنية على قوله الجارح للمهندسين، وهو أمر متوقع لأن مجلس إدارة الهيئة يحرص على مصالحه الخاصة وعلاقاته مع الوزير أكثر بكثير من مصلحة المهندسين، بل هو حديث عن "ثقافة الحريم"، فالوزير هنا يرى أن كل ما هو سلبي ومشين في الرجال هو من صفات النساء، فهو ينتقص الرجل والمرأة هنا ويطلب من المهندسين ألا يطالبوا بحقوقهم وإلا أصبحوا مثل "الحريم"، هذه الصورة المجتمعية "الرسمية" السلبية للمرأة تحتاج إلى وقفة كبيرة، فلن أقول للوزير إنه يعيش في عصر أندثر، فهذا متروك لمن استمع لحديثه مع شباب المهندسين، لكنني أود أن أذكر "معالي" الوزير أن هؤلاء "الحريم" هم اللاتي ينتظرهم الوطن من أجل بنائه وتنميته وحمايته.
المشكلة من وجهة نظري تكمن في الصورة الذهنية المجتمعية عن المرأة، وهي صورة متكرسة في عقول الرجال والنساء وهذا أمر غريب لأن تصور المرأة عن نفسها عندنا يعتريه النقص الشديد وهو ما انعكس سلبا على مفهوم "التربية"، فالأم تربي أبناءها وبناتها على أن "الولد" أفصل من "البنت" والمجتمع يكرس مثل هذه الثقافة ويشجعها، إذن عندما نستغرب أن وزارة البلديات منعت مشاركة النساء في الانتخابات أو نستهجن قول وزير الخدمة البلدية للمهندسين أنهم مثل "الحريم"، فنحن نغرد خارج السرب، لأن المجتمع بأسره يصنع هذه الثقافة ويمارسها يوميا وما لم تتغير هذه الحالة فسوف تستمر المرأة خارج المشاركة الاجتماعية الحقيقية.
نقلا عن الرياض