رغم ان جو بريطانيا لا يناسب زراعة النخيل.. ورغم ان العرب هم أول من ادخل النخيل الى أوروبا (عن طريق الاندلس في عهد عبدالرحمن الأول) إلا ان شركة "بالم ديفولوبمانتس" في مقاطعة سمرسيت تُصدر سنويا قرابة ال 130 ألف فسيلة للدول العربية و5000 من نخيل الزينة لبيوت الأثرياء في الخليج!!
وهذه الشركة ليست الوحيدة التي تسوق بضاعتها لدينا ولكنها الأقدم في المنطقة وتحتفظ بملكية أنواع محسنة لا توجد حتى على ضفتي الفرات!!
أيضا من المعروف ان الولايات المتحدة نقلت في أربعينيات القرن الماضي 100 ألف نخلة من البصرة وزرعتها في كاليفورنيا. وهذه النخلات تحولت هناك الى اكثر أنواع النخيل إنتاجا بفضل التهجين الممتاز وتقدم الأبحاث الزراعية. واليوم تعد "نخلة كاليفورنيا" الأكثر طلبا في العالم كون معدل إنتاجها السنوي يتجاوز 70 كلم للنخلة الواحدة يليها النخلة الإسرائيلية ب50 كلم في حين لا يتجاوز إنتاج النخلة في السعودية 37 كلم في حين انحدرت بشدة النخلة العراقية ما بين دخول وخروج القوات الأمريكية!!
ورغم أنني لست من النوع الذي يتباكي وينوح - "وإن ناحت بقربي فسيلة" - الا أنني احّمل جزءاً مما يحدث لإهمالنا وتقاعسنا في المركز الأول.. ثم لاتفاقيات التجارة الحرة في المركز الثاني.. فمن المعروف أن دول العالم الثالث تتفوق على الدول الصناعية فى تنوعها الطبيعي وثرائها البيئي.. وهذه الثروة كان يمكن ان تترجم الى صناعات طبية وغذائية وكيميائية هائلة لو امتلكت الدول الفقيرة المال والتكنولوجيا المناسبة. وفى المقابل أدركت الدول الغنية خطورة فقرها البيئي فعمدت منذ زمن بعيد الى سرقة وتطوير الأصول النباتية والحيوانية للعالم الثالث - وحفظها كملكية فكرية - ومن ثم ترجمتها لمنتجات اقتصادية جديدة او محسنة!
والتفوق على العرب في بضاعتهم (وإعادة النخيل إليهم مغلفا) ليس سوى نموذج واحد لهذه العلاقة غير المتكافئة؛ فعلى مستوى العالم هناك أصول وراثية كثيرة كانت ملكا للدول الفقيرة ثم اصبحت ملكا للدول الغنية بعد تحسينها؛ فهناك مثلا نبتة الزيت البحري التى تعيش فى تشيلي وتسقى بماء البحر وأصبحت الآن ملكا لإحدى الشركات في كاليفورنيا.. وهناك شجرة النيم الهندية التى استغلت في سويسرا وفرنسا لانتاج مجموعة واسعة من المستحضرات الطبية.. وكذلك بذور الشيا التى يستخرج منها مادة فعالة لخفض السكر والحد من الكوليسترول.. وهناك أيضا نبتة الكاكاو والكولا والأوكا الإفريقية التى تنتج درنات مغذية (تشبة البطاطس) ولا تحتاج لكميات كبيرة من المياه.. حتى القردة الافريقية المعروفة باسم "القطط الخضراء" اصبحت (ملكا فكريا) لأمريكا بعد ان حورتها لإفراز هرمون مضاد للايدز!!
أيها السادة.. وكأنه لا يكفي ان تتحول هولندا الى مصدر الحليب الرئيسي لأطفالنا، والهند الى مصدر الأرز الرئيسي لكبارنا؛ حتى يأتي الدور على أشجار النخيل فنستوردها من أوروبا وأمريكا!!
نقلا عن الرياض