تظهر أسئلة الغربي (غير المنخرط في دوائر البحث والإعلام والسياسة والتجارة) عن العرب وشخصياتهم وتصرفاتهم عادة بعد الأحداث السياسية الكبرى أو في ضجيج حوادث الإرهاب وما شابهها وبشكل أقل لمن يمارس التجارة مع وإلى العالم العربي. وتأتي الأسئلة غالبا ليس من باب الفضول المعرفي وإنما للإجابة على أسئلة تطرحها وسائل الإعلام الغربية وبينها أسئلة لا تخلو من صيغة الاتهام. ومن يتتبع طبيعة تلك الأسئلة التي يوجهها عموم الناس في الغرب سواء في برامج الحوارات أو مواقع الانترنت أو عبر الشبكات الاجتماعية يكتشف ضعف الاهتمام بهذا الجزء من العالم وكثرة الخلط بين الدول والجنسيات والقوميات والأديان إضافة إلى قدر كبير من أسئلة التعجب من تناقضات المشهد العربي. ويعود السبب الرئيس في عدم اهتمام المواطن الغربي بشؤون العرب إلى انغماس (عامة) الناس في تلك المجتمعات في شؤونهم وتخطيط حياتهم. بل إن قسما كبيرا منهم يتندرون على من يشغل نفسه بينهم بقضايا لا تخصه ناهيك عن متابعة الصراعات السياسية والدينية في العالم. وفي المقابل تنشط مراكز البحث الغربية في دراسة كل دقائق وتفاصيل العالم العربي ومجتمعاته وتطلعاته والتحديات التي يخشاها أو يتوقعها ومن ثم تقدم هذه الدراسات المعمقة لصانع القرار للترشيد والاسترشاد.
وهنا سأنتقي أبرز خمسة أسئلة تتكرّر كثيرا هي بعض ما لخصت مما قرأت وشاركت أو رصدت خلال السنوات القليلة الماضية:
السؤال الأول: لماذا يتقاتل العرب؟ ومن هذا السؤال تتناسل أسئلة أخرى مثل كيف أصبح العنف ثقافة في العالم العربي؟ وبطبيعة الحال هنا لا يمكنك الاستمرار في عقد المقارنات واستدعاء الماضي وتكرار التذكير بأن كل الأمم مرّت بهذه الظروف ثم نستشهد بحروب أوروبا والصراع بين البروتستانت والكاثوليك. هذا التبرير يسقط عندهم بالشرط الحضاري والمعرفة والعالم المتحضر لا بد أته قرأ التاريخ وتعلم الدروس.
السؤال الثاني: لماذا لا ينتج العرب في الصناعة والتقنية وحتى الزراعة تجدهم يتسولون القمح والغذاء من كل مجتمعات العالم؟ وأذكر أنني قرأت مثل هذا السؤال في أكثر من حوار الكتروني، ثم فأجاني طالب غربي بهذا السؤال ونحن في حلقة علمية في أوج ما سمي بالربيع العربي. بطبيعة الحال وعلى الرغم من تصفيق الحضور لجوابي البلاغي العاطفي إلا أن "البلاغة" وإعادة تصدير الأسباب لم تعد تكفي لمسح هذا السؤال وضمان عدم تكراره كلّما حضر اسم العرب.
السؤال الثالث: لماذا لا يهتم العرب بنظافة شوارعهم وأحيائهم وتجدهم لا يكترثون بجماليات التراث ويقذفون بالمهملات في كل مكان؟ ولعل من أغرب التوصيات التي توضح مدى استقرار هذه الإشكالية في ذهنية الإنسان الغربي أن تجد مطبوعات ورسائل شركات السفر والسياحة الموجهة للمسافرين لبعض المدن العربيّة تركز على الجانب الصحي والأمراض وطرق الوقاية.
السؤال الرابع: لماذا لا يقدر الإنسان العربي الوقت ولا يهتم كثيرا بدقة المواعيد واحترام الالتزام مع الطرف الآخر الشريك في الموعد؟ وأذكر أنني قرأت كتيبا صغيرا عن "كيفية أداء الأعمال في العالم العربي" طبع في السبعينيات على ما أذكر وكنت عثرت عليه في مكتبة قديمة في مدينة مانشتر البريطانية. ومن أغرب نصائح ذلك الكتيب أن المؤلف يحذّر رجال الأعمال الغربيين حينما يأتون إلى العالم العربي من ثلاثية (IBM). وبكل ألم يفسر صاحب الكتاب هذه الحروف الثلاثة ساخرا بقوله عندما تسمع "إن شاء الله I، بكرة B، معليش M" فهي تسويف ويتوقع منك العربي حينما يقولها أن تقبل ولا تسأل عن التفاصيل أو تحتج.
السؤال الخامس: وهذا السؤال يردّده اليساريون والليبراليون الغربيون المستقلون ويقول السؤال.. كيف استطاعت "إسرائيل" بسكانها الذين لا يوازون سكان "حارة" من حارات القاهرة وبإمكاناتها المادية المتواضعة مقارنة بما يملكه العرب أن تفرض وجودها وقرارها وإرادتها على 350 مليون عربي. لا جواب.
نقلا عن الرياض