ذهبتْ بعض التحليلات العربيّة في موضوع ما وراء الاتفاق النووي بين الغرب وايران مذاهب شتى. بعض الطروحات تملكتها الأمنيات وربما حالة التشفي اكثر من كونها قراءة للوقائع المتتابعة. أما التحليلات في المشهد الخليجي فكانت في معظمها نوعا من تفريغ الشحنات العاطفيّة المسكونة بالخيبة من خيانة (الصديق) الأميركي للعرب.
وذهب بعض المحلّلين العرب إلى حد توقع انهيار الاتفاق على يد الجمهوريين والمؤسسة التشريعيّة الأميركيّة في قراءة عجلى للمماحكات السياسيّة من قبل الجمهوريين والإعلام المحسوب عليهم. ولكن من يرصد مجمل الصورة يكتشف أن الأميركيين المهمين والمهتمين لم يختلفوا كثيرا على مبدأ الاتفاق وإن اختلف بعضهم مع توقيته الذي قد يعيق – بحسب بعض الأصوات- تسريع السياسة الأميركيّة الجديدة الداعمة لتغيير التحالفات ومعادلات الجغرافيا السياسيّة في المنطقة.
ويبدو الانسجام الأميركي العام مع روح الاتفاق جليّا في طروحات بعض النخب ومراكز البحث التي تتفق على أن إدارة "اوباما" ربّما تعزّز بهذا سياسة استثمار ملفات التأزيم المفتوحة في المنطقة والعالم لتعزيز مرتكزات القرن الأميركي الجديد. وهذا الاتجاه يمكن استنتاجه مما كتب عن اتفاق تطبيع العلاقات الأميركيّة مع كوبا – بعد 50 عاما من القطيعة- وبالطبع الاتفاق مع ايران وكذلك سلسلة المحادثات الغربيّة - الأميركية المتواصلة سرا وعلنا مع كوريا الشماليّة والتي ما انفكت تصطدم في كل مرّة بسور الصين العظيم.
وفي هذا السياق كتب الجمهوريان الكهلان هنري كسينجر (92عاما) وجورج شولتز (95عاما) مقالة مشتركة مهمّة (وول ستريت جورنال 7 أبريل) عما بعد الاتفاق النووي. وعلى الرغم من أن الطابع العام للمقالة كان اقرب إلى المعارضة إلا أنهما ركّزا على تقديم المقترحات. والأهم أن"كيسنجر" و"شولتز" يريان أن الاتفاق "فرصة لجر إيران إلى طريق تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط". وفي مجال تسويق السياسة الأميركيّة القادمة يقول ثعلبا السياسة إنّ "إيران دولة وطنيّة مهمة، ولديها ثقافة وتاريخ عريق، وهويّة وطنيّة، وسكان متعلمون؛ وستكون عودة ظهورها كشريك حدثًا يمكن الاعتماد عليه" كون الشرق الأوسط بحسب الوزيرين "لا يستطيع جلب الاستقرار لنفسه، ولن يستطيع توازن القوى فرض نفسه بشكل طبيعي خارج المنافسة الإيرانيّة (الشيعيّة) السنيّة". وباختصار نجد أن السياسة الأميركيّة الجديدة في المنطقة تعيد رسم التحالفات والخرائط السياسيّة والقوميّة والمذهبيّة بشكل يختلف عن واقعها اليوم.
نعم السياسة الأميركيّة في الشرق الأوسط تتغيّر بعد أن كانت على مدى عقود ترتكز على أمرين: أمن إسرائيل وضمان موارد النفط. ولكن هذين المرتكزين الآن لم يعودا بذات الأولويّة فإسرائيل باتت قويّة بما يكفي وآمنة من العراق المقسّم وسورية المتناحرة، أما ايران "الثورة" فتفاهمات الغرف السريّة مع الغرب أثبتت أن شعار "الموت لإسرائيل" ظلّ فارغ المضمون طيلة عمر الجمهوريّة الإسلاميّة. أمّا مسألة الطاقة فقد تغيرت الحاجات وظهرت البدائل. ولهذا لم يكن من باب المصادفة اطلاق مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" لأول مرة في تل أبيب في يونيو 2006 م على لسان وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندوليزا رايس.
أمّا ايران ما بعد الاتفاق فقد اكتمل تأهيلها أميركيّا وأوروبيّا لدورها الجديد بعد نجاحها – في استراتيجيّة الفوضى الخلاقة- في العراق وسورية واليمن والتزامها الحرفي بقواعد اللعبة في لبنا
نقلا عن صحيفة الرياض