من يسافر كثيًراُيعاِن أكثر.. حالي حال ملايين من رواد مطارات منطقتنا؛ الشرق الأوسط. وحديًثا، لاحظنا تطوًرا في صناعة الطيران وخدمات السفر. ورغم أن شركات الطيران لا تزال تتعب ركابها بسبب التأخير، فإن التحسين المحدود الطارئ على المطارات خفف من الشكوى، وفك الاختناقات في عنق الزجاجة
ولأني من رواد مطاري الرياض وجدة، فقد كنت أشعر بأن المرور عبرهما فيه ابتلاء للركاب، وامتحان لصبرهم؛ نتيجة الخدمات الرديئة، وفترات الانتظار التي يتخيل المرء من طولها أنها لن تنتهي ومع أن المطارين شهدا عملية تحسين تجميلية بسيطة فإن أثرها كبير على المسافرين، حيث يبدون أقل تبرًما. وإلى زمن قريب لم تكن في المطارات مطاعم ولا مقاٍه، إلا واحد قهوته رديئة، ولا محلات للتبضع، ولا صالات انتظار، ولا دورات مياه مقبولة، ولا أجهزة صرف عملة، ولا أكشاك تبديل عملات، وشاشات معلومات الرحلات معطوبة، وصوت ميكرفون منادي الرحلات لا يحتمل صراخه، وموظفو الجوازات والتفتيش الأمني يشعرونك بالرهبة والذنب. هذا في وقت كان فيه قلة من نخبة المجتمع مسترخية لأن لها زاوية في المطارين، يسمونها المكتب التنفيذي، تجلس على الأرائك الوثيرة، وعلى نهر لا ينقطع من الشاي والقهوة والعصائر
تغيرت الحال؛ اليوم صار المطاران أفضَل، رغم تزايد عدد الرحلات والركاب. وأصبحت معظم الخدمات متوفرة، بل وصرنا أفضل حالاً حتى من صالون كبار الزوار. وبتنا نغضب أقل من السابق عندما تتأخر رحلاتنا. وكل هذه الخدمات الجديدة نحن من يدفع ثمنها نقًدا، وعن رضا. فهل كان هذا أمًرا صعًبا أن ينفذ
في السابق؟ أبًدا، لا. هذا الفارق بين المديرين الجهلة والمديرين المتمكنين الذين يشعرون بواجباتهم في خدمة زبائنهم. لم يكن هناك مبرر لمعاملة الركاب بمثل ذلك الإهمال سنين طويلة إلا مبرر اللامبالاة أو الجهل
هذه الحكاية الطويلة فقط للقول إن ما أعلنته هيئة الطيران المدني السعودي حديًثا، من أنها قررت تخصيص إدارة المطارات، ومنح تشغيلها لشركات مؤهلة، خطوة إن نجحت سيشكرها الناس كثيًرا عليها
وفوق الشكر ستدُّر عليها أموالاً طائلة تستحقها، في بلد يصنف من أكثر دول المنطقة نشاًطا في السفر، لوجود ملايين من العمالة الأجنبية، وملايين الحجاج والمعتمرين، وملايين من السعوديين المدمنين على حب السفر في الإجازات. بأموال هؤلاء الناس، وليس من جيب الحكومة، يمكن أن تقام صناعة سفر ممتازة عندما تتخلى هيئة الطيران المدني عن احتكارها إدارة المطارات. ويمكن أن تكون بعد ذلك نموذًجا مشجًعا بقية القطاعات. فالإدارة الحكومية باتت تدرك أن السيطرة على قطاع الخدمات عمل إداري فاشل، وسياسي خاطئ
والحق يقال إن خدمات الجوازات والتفتيش الأمني تبدلت في المطارات كثيًرا. وما تقدمه، بشكل عام، لا يزال يتقدم على بقية القطاعات الحكومية في الخدمات الإلكترونية المتطورة، بل وفي بعضها أسرع من دبي التيُ يضرب بها المثل في جودة الخدمات
إن تطوير تفكير الإدارة، والإبداع في الحلول، وقياس النتائج من قبل جهات مستقلة، واعتماد فلسفة المحاسبة، ستحقق التحول المطلوب، بالتخلص من تراكمات بيروقراطية، ومركزية، ومفاهيم قديمة، وأخيًرا الانتقال نحو مجتمع عصري
نقلا عن الشرق الاوسط