كل المدن الأوروبية على مستوى مذهل من التقدم الذي لا يَطرح أمام السائح الشرقي نوعية الشارع أو حجم المبنى أو جماليات صالات الفنادق أو نوعيات الملابس، فهذه منجزات من السهل أن تتوفر في عواصم دول نامية.. وهي متواجدة فعلاً في كثير منها.. مستوى التقدم المذهل هو نوعية كفاءة الخدمات وتعددها وكيف تتجاور مع مواطن منها في مقهى أو مطعم وأنت صاحب عضوية محترمة في المكان طالما أنت صاحب أولوية أو صاحب حجز والطواعية الجماعية التي يلتزم بها كل مواطن احتراماً لقوانين بلده.. وكيف تتعدد الجنسيات في شارع واحد ولا تشعر أن عليك ضرورة فتح طريق لمواطن البلد وإغلاقه أمام آخر من شرقك الأوسط.. كيف أن الرجل الأول في الدولة لا يستطيع أن يعتدي على حقوق أحد، وأن خروجه من موقعه القيادي يتم بوداع لطيف مع زملائه لا بعد سقوط مئات القتلى ثم الآلاف في الشوارع كإجراء دموي لتغيير الحكم وليس تطويره..
لندن.. العاصمة البريطانية نموذج لهذا الرقي الهائل، ومثله الازدحام الهائل لعدد السكان، وعدد الفنادق، وآلاف المطاعم والمقاهي التي لم توجد إلا لأن عدد الآتين سياحياً يكاد يفوق عدد الباقين سكانياً.. كيف ارتفع إيجار الشقة لمدة شهر إلى ما يساوي ثمن شراء مثلها مساحياً في كثير من دول العالم الثالث والارتفاع الهائل لكل الأسعار وفرته كثافة الآتين إلى تذوق خصوصيات حضارية..
العلوم والثقافة وتقنيات التطور والقوانين ليست فصولاً من ديانات مختلفة أو أنها بديل فرض لديانات آفلة.. كل هذا غير صحيح، حيث بمقدور المسلم أن يعيش هذا التطور الحضاري الذي لم يملك كفاءة الوصول إليه علمياً حيث العلوم لا تسيء بأي مظهر لها لأي مشروعية دينية إسلامية كانت أو مسيحية..
لقد أعجبني الموضوع الذي كتبه في جريدة «الرياض» الدكتور إبراهيم المطرودي في الصفحة ٢٨ من عدد يوم الاثنين الماضي بعنوان «عظمة الله أم عظمة الغرب» وهو إيضاح للحضارة الغربية وماذا يعني عجز المجتمعات العربية عن الوصول إليها، وفي الوقت نفسه رفض المفاهيم متدنية الأبعاد يكررها خطيب يرى في الحضارة تضاداً مع الدين.. وهذا غير صحيح.. فما علاقة صفاء العقيدة الدينية بأي اختلاف مع تطوير قدرات الطب وتوفير وسائل الاتصال والطيران وحماية حقوق أي إنسان مواطن أو زائر؟.. أيضاً كفاءة تنوع الغذاء وحماية تأهيله.. مواجهة الأمراض بتطوير قدرات الدواء.. ولا أدري ما إذا كان ذلك الخطيب لم يستعمل الجوال بعد، ويتعالج بالرقية وليس بالدواء، ويمتطي الجمل ذهاباً إلى دمشق أو عمان، وهل الإضافة إلى حفظ الحديث النبوي الاطلاع على ثقافة الشعوب يعني الخروج عن توصياته؟.. أمثال ذلك الخطيب وهم كثيرون يمثلون مفاهيم إعاقة لتطورات الوعي، ولو جمعتهم رحلات اطلاع على ماذا تعني الحضارة لأمكن أن يعرفوا كيف وجد طموح الشاب المبتدئ فرص النجاح عبر تنوعات الاستثمار، وكيف أن ملكيات أبرز المطاعم مثلاً لبارعين من أقصى شرق آسيا حتى أقصى غرب أفريقا جعلتهم الأكثر بروزاً وقابلية في العواصم الأوروبية وبالذات لندن..
إن ترويج أفكارهم هو في الحقيقة ممارسة محافظة على شمول التخلف..
نقلا عن الرياض