سابك" أحد أهم النقاط المضيئة في تاريخ يمتد لأكثر من ثلاثة عقود من إخفاقات الإستراتيجية الصناعية في المملكة. وأنشئت "سابك" في عام 1976م كمؤسسة عامة مستقلة برأسمال مبدئي 10 مليارات ريال نشاطها الرئيس استثمار الموارد الطبيعية الهيدروكربونية والمعدنية بالمملكة، وفي نفس العام أنشئت المؤسسة العامة للبترول والمعادن "بترومين" التي ضُمَّت إلى شركة "سابك" في فبراير 1989م. وساعد على تطور شركة "سابك" إنشاء هيئة الجبيل وينبع في عام 1976م.
في المقابل توالت إخفاقات وزارة الصناعة والكهرباء ثم وزارة التجارة والصناعة في مجال الصناعات الوطنية غير النفطية بالرغم من الدعم الحكومي الذي انطلق منذ عام 1974م بإنشاء صندوق التنمية الصناعية السعودي برأسمال 500 مليون ريال، ثم رفعه تدريجياً إلى 20 مليار ريال حتى أصبح الصندوق منذ عام 1982م يقدم القروض للمشاريع الصناعية الجديدة من المبالغ المسددة من القروض الصناعية القائمة.
وجوهر إخفاق وزارة الصناعة يتمثل في عدم تحقيق تقدم ملموس في الأهداف الرئيسة التي أنشئت من أجلها الوزارة. ففي عام 1978م ورد في التقرير السنوي لمؤسسة النقد العربي السعودي العبارة التالية:
"والمعيار الذي يحكم قرارات الحكومة في إرساء قاعدة صناعية سليمة يتمثل في ضرورة أن تساهم الصناعات المقترحة في نمو الدخل القومي وزيادة فرص العمل المجزي وأن تكون هذه الصناعات في نهاية المطاف قادرة على الصمود في وجه المنافسة في السوق الحرة"
لكن لم يتحقق حتى الآن أي من هذه الأهداف (العبارات الرنَّانة) فلم تفلح الصناعات الوطنية غير النفطية في خلق فرص عمل (مجزية أو غير مجزية) للسعوديين، ولم تنجح في تحقيق نمو الدخل القومي، كما أن معظمها لازال يوصف بالصناعات الناشئة بالرغم من أن عمرها يمتد لأكثر من ثلاثين عاماً.
وجزء من أسباب الفشل يعود إلى عوامل طبيعية مثل إخفاق إستراتيجية إحلال الواردات في ثمانيات القرن الماضي، حيث ظهرت بعض المحاولات للتوسع في دعم تصنيع السلع المستوردة لسد حاجة السوق المحلية. وكان أهم أسباب فشل هذه الإستراتيجية في ذلك الوقت يتمثل في انخفاض تكاليف المواد الخام لاسيما النفط، ووجود فجوة كبيرة بين معدل الأجر في السعودية ومعدلات الأجور في بعض الدول العالمية مثل الصين والهند.
لكن عوامل فشل إستراتيجية إحلال الواردات في الثمانينات أصبحت أهم عوامل نجاح هذه الإستراتيجية في الوقت الراهن. فالفجوة بين معدلات الأجور في السعودية وبقية دول العالم انخفضت بشكل ملحوظ، كما أن أسعار المواد الخام ارتفع للمستويات التي لا يمكن معها تصور أن لا تنجح صناعة محلية تعتمد بشكل كبير على النفط مثل الصناعات البلاستيكية وما يندرج تحتها من سلسلة واسعة من السلع كألعاب الأطفال والأدوات المكتبية، والمنسوجات المصنَّعة ...الخ.
إن أحد أهم متطلبات المرحلة الحالية دعم مشاريع صناعية صغيرة ومتوسطة تخلق فرص عمل مجزية للمواطنين، والمجتمع لن يألو جهداً في دعم وتأييد هذه المشاريع لتحقيق الأمن الاقتصادي القومي، بل سيقدم كل التضحيات إذا تأكد أن هذه المشاريع تخلق فرصا وظيفية حقيقية للسعوديين وتساهم في تنمية الاقتصاد الوطني.
نقلا عن الرياض