رحم الله صديقي وزميلي علي بن أحمد النعمي ابن ضمد العزيزة بلد الشعر والشعراء والنبل والنبلاء. تزاملنا في معية الصبا في بلاط صاحبة الجلالة أستاذنا علي أبو طالب رحمه الله وأستاذنا علي محمد العمير شافاه الله. كانوا نجوماً كباراً أنظر إليهم من بعيد رهبة من هيبتهم ووقارهم فقد كانوا أسن مني وأكبر قدراً وعلماً ومكانة في ساحات الفكر. والنعمي كان نجماً هادئ الطبع والسيرة.

إذا أحسن المغني بلحن موسيقي من آلة أو من حجر أو بطرق شعبي يردد المستمعون أصواتهم بالاستحسان لجمال الصوت الشجي والكلام النقي البهي الآسر للقلوب وهذا يسمى في ديار الجنوب توليش.

في الحجاز الحضري والقبلي يردد المستمعون ما يلفظ به المنشد للدانات والمجالسي عبارات استحسان، فالجسيس وهو المنشد في الأفراح مادحاً لأهل العريس - العروس أن أطرب في التنغيم والإيقاعات يكون الصدى لدى المستمعين: طيب طيب يا هووه.. كذا الحال في الدانة اليمنية الجملية كما يغني أيوب طارش: وا طاير امغرب ذي وجهت نحو امتهايم.. وفي مصر العزيزة لا يكل السميعة من ترديد عظمة على عظمة؟

هناك إرث شعبي في جنوب الوطن، حيث الهود هو الفرح الكبير الذي يقام في مناسبات الزواج والختان للرجال فقط حيث تتهادى الجموع في أرتال متتالية تدك الأرض في أهازيج حماسية وقرع للطبول ودوي الحناجر فتكون الدنيا هوداً أي فرحاً تختلط فيه مشاعر الفرح والانبهار واستعراض للقوة البدنية فردية ومعنوية، وانصهار الضيوف والمضيفين والمخيلة في حميمة وفرح وتفاخر بكثرة الرفادة والرفد.

رجعت إلى لسان العرب فوجدت أن من معاني الهود الترجيع بالصوت في لين، قال الراعي يصف ناقة:

وفود من اللائي تسمعن بالضحى   قريض الروائي بالغناء المهود

أما كلمة يولّش، فما وجدتها في لسان العرب في باب ولش، إلا أنني أظنها قريبة المعنى من هوّد، أي ترجيع الصوت بلين ونبرة حزينة، مبعثها الشجن والوله.. فإذا كان صوت الحادي أو الراعي جميلاً فإن من يسمعه أو صدى صوته في الجبال والأودية يولّش له، يقول الله الله يا راعي الصوت، وإن كان الغناء توجعاً من المحبوب كما يردد الشعراء فيولش السامع بـ: مسكين مسكين أو حليلك أو يا رحمة الله، بي عنك..

ولعلي في قصيدة بديعة لأخي علي النعمي رحمه الله بعضاً من الشجن الذي يستدعيني أن أولش له لما في كلمات شعره هذه:

أتيت إليك من ضحك البرق  ومن نبض يسافر في العروق

أتيت إليك من نضج السواقي  ومن هلع الخفوق إلى الخفوق

وعشت رؤاك في شيح ودوش  ونشر الضيمران مع الشروق

وهمت عليك في عرس وهود  كمنفلت الضياء من الشفوق

ورجع بالحزينة صوت ناي   على فم زامر السمر الخلوق

وولش منشد وتلاه ثان فما تدري الزفير من الشهيق

بالتزامن مع صحيفة الرياض